بالنسبة للعائلات التي تعاني من الحساسية الغذائية، فإن الإدارة اليومية الدقيقة لتجنب تناول الطعام الخاطئ يمكن أن تشكل عبئًا كبيرًا، تجنب: المطاعم، حفلات أعياد الميلاد، الملاعب.. خشية حدوث الحساسية المفرطة، ولعل ذلك ما دفع بعض العائلات والأطباء إلى تجربة علاج نجح في دراساته المبكرة، ولكن تأثيراته غير واضحة على المدى الطويل، ولم تتم الموافقة عليه بعد من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
العلاج المثير للجدل، وهو علاج مناعي يُعطى عن طريق الفم يُطلق عليه OIT ، وهو من الناحية النظرية يعمل مثل مضادات الحساسية، التي عالجت حبوب اللقاح والحساسية البيئية على مدى 100 عام بشكل موثوق، من خلال إزالة الحساسية المناعية لهذه العوامل المسببة، ولكن بدلًا من حقن المواد المسببة للحساسية عبر الجلد، فإن العلاج الجديد ينطوي على استهلاك القليل من الطعام المحظور كل يوم بجرعات تتزايد تدريجية، بحيث يمكن للجهاز المناعي تعلم التعامل معها بشكل تدريجي أو خوض قتال أقل، ومع القرار المتوقع من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بحلول عام 2020 بخصوص كبسولات الفول السوداني، يمكن أن يصبح العلاج الجديد قريبًا.
ولكن في الوقت الحالي، لا يزال إخصائيو الحساسية منقسمين بشدة حول هذا العلاج، وحسب المشككين فإن هذا العلاج لا يعمل مع الجميع بنفس الطريقة، كما أنه يحمل مخاطر غير مؤكدة، ويناقض النهج التقليدي لتجنب الطعام المثير للحساسية، وهو النهج الذي يحقق الأمان للغالبية العظمى من الأفراد.
وعلى الرغم من أن OIT جديد نسبيًا، إلا أن العلم الذي يكمن وراء علاج الحساسية يرجع إلى أكثر من قرن، عندما كان مصطلح الحساسية قد دخل بالكاد في المفردات الطبية، ففي عام 1905 وصف طبيب ألماني علاج حساسية اللبن عند الرضع عن طريق تغذية قطرات الحليب بشكل متزايد، وبعد ثلاث سنوات أبلغ طبيب في لندن عن إعطاء جرعات يومية من البيض لتهدئة حساسية البيض لصبي مراهق، وبحلول عام 1940 نشر الأطباء ما مجموعه تسع ورقات تصف استخدام طرق مماثلة لعلاج عشرات الأشخاص، الذين يعانون من الحساسية تجاه الحليب، القمح والبيض والبرتقال والطماطم والكاكاو.
وفي منتصف الستينيات، اكتشف العلماء الجاني الجزيئي: الأجسام المضادة للجهاز المناعي التي تسمى الجلوبولين المناعي، وهي المادة المسببة للحساسية المحددة، التي بانتقالها إلى الخلايا المناعية الأخرى تؤدي لإطلاق الهستامين والمواد الكيميائية الأخرى، التي تسبب رد فعل تحسسيًا في الأنف أو الرئتين أو الحلق أو الجلد، ورغم هذه التطورات المنعزلة، لم تحظ أبحاث الحساسية الغذائية سوى بقليل من الاهتمام لعقود، ربما بسبب انخفاض معدل الانتشار؛ حيث كان يُعتقد مثلًا حتى أوائل الثمانينيات أن أقل من 1 في المائة من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من الحساسية الغذائية، ومن ثم كان العلاج الأسهل هو فقط تجنب الطعام إذا كنت تعاني من الحساسية.
وإذا تصاعد رد الفعل التحسسي إلى شيء أكثر خطورة في خلايا الجسم بالكامل، وضيق الحلق أو صعوبة في التنفس، فإن هناك حقنًا وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عام 1987، يمكنها أن تبدأ في التخفيف خلال دقائق، ولكن ومع تغير ممارسات التصنيع بدأ الناس في تناول المزيد من الأطعمة المصنعة، وأصبح من الصعب على نحو متزايد تجنب التعرض لمسببات الحساسية، وفي غضون حوالي 15 عامًا، ارتفعت حساسية الفول السوداني من حالة طبية غير معروفة تقريبًا إلى ما قد يسميه البعض حالة طوارئ صحية عامة، وعلى سبيل المثال فالحساسية الغذائية تؤثر اليوم على 8 بالمائة من الأطفال في الولايات المتحدة وأكثر من 10 بالمائة من البالغين.
وفي نوفمبر الماضي، نشرت مجلة نيو إنجلند الطبية نتائج تجربة سريرية لعقار مناعي لحساسية الفول السوداني لإحدي الشركات، شارك فيها 551 مشاركًا، وفي نهاية الدراسة كان حوالي ثلثي المجموعة المعالجة قادرين على تحمل بروتين الفول السوداني، وبناءً على هذه النتائج قدمت الشركة طلب ترخيص، وردت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بأنها ستراجع الطلب في سبتمبر وتتخذ قرارًا بحلول يناير 2020، فيما تقوم شركة أخرى في فرنسا بتطوير نوع مختلف من العلاج المناعي يسمىViaskin Peanut ، والذي يقدم بروتينات الفول السوداني من خلال الجلد.