سواء كنت تعاني من ألم في المعدة أو التواء في الرسغ أو مرض مزمن، فمن بين أول الأشياء التي سيقوم بها الأطباء في موعد ما قياس درجة حرارتك؛ حيث تظهر درجة الحرارة العادية أن جسمك في حالته الطبيعية، بينما يعني ارتفاعها أن لديك حمى وأن جسمك ربما يحارب العدوى.
ومنذ عام 1871م تعني كلمة «طبيعي» لدرجة حرارة جسم الإنسان 37 درجة مئوية أو 98.6 فهرنهايت، وقد تم تحديد هذا الرقم من قبل طبيب ألماني، بناءً على ملايين القراءات من 25 ألف مريض ألماني، مأخوذة عن طريق لصق موازين الحرارة تحت أذرعهم، وعندما كرر الأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التجربة على السكان المحليين، توصلوا لنفس الرقم، فتم اعتماده كدرجة حرارة طبيعية لجسم الإنسان، لكن بحثًا جديدًا لباحثين من جامعة ستانفورد، نشر مؤخرًا بمجلة إي لايف، أفاد أن درجة حرارة جسم الإنسان العادية انخفضت منذ ذلك الوقت، وهذا يعني أن المعايير التي استخدمها الأطباء لتحديد درجة الحرارة الطبيعية والحمى قد تحتاج إلى إعادة صياغة.
وخلال بحثهم قام الباحثون بتحليل البيانات من ثلاث قواعد بيانات كبيرة تضم أكثر من 677 ألف قراءة لدرجات حرارة حوالي 190 ألف شخص، تم جمعها خلال ثلاثة تواريخ متباعدة ممتدة في الفترة ما بين عامي 1862 و2017، فوجدوا أن متوسط درجات حرارة الجسم في قاعدة البيانات الأولى «الأقدم» كان أعلى من درجات الحرارة المسجلة في كل من الفترتين الأخيرتين، وفي المتوسط انخفضت درجات الحرارة بمقدار 0.03 درجة مئوية تقريبًا خلال فترة 150 عامًا.
ولمعالجة مسألة ما إذا كانت مقاييس الحرارة أقل دقة في الأوقات السابقة، أو ما إذا كانت الأجيال السابقة من الأطباء تقيس درجات الحرارة بشكل مختلف، قارن العلماء أيضًا درجات حرارة الجسم داخل مجتمع واحد لتقليل أي تحيز محتمل للقياس، فوجدوا مثلًا أن درجات الحرارة كانت أعلى بين المولودين في وقت مبكر عن المولودين في وقت لاحق، بنحو 0.02 درجة مئوية في العقد ما يدعم نظريتهم، وحسب الباحثين فإن الأمر لا يعود إلى خطأ في قياس درجات الحرارة التي سجلت في القرن التاسع عشر، وإنما لانخفاض درجة حرارة الجسم نفسه وتغيرها بهذا المقدار السابق ذكره على مدار هذه السنوات.
وحسب هؤلاء فإن من المنطقي أن تتغير درجات حرارة الجسم بمرور الوقت؛ حيث نمى متوسط الطول والوزن مما يغير درجة حرارتنا أيضًا، كما أن لدينا تغذية أفضل ورعاية طبية أفضل وصحة عامة أفضل، كما أن لدينا وسائل لتكييف الهواء والتدفئة، لذلك نحن نعيش حياة أكثر راحة في ثبات نسبي لدرجة الحرارة في منازلنا، ولا نعاني كثيرًا للحفاظ على دفء الجسم، وربما يكون العامل الأكثر أهمية هنا هو أيضًا تطوير علاجات للأمراض المعدية خلال القرن الماضي؛ حيث تخلصنا من العديد من الأمراض الالتهابية التي عانى منها الناس في السابق كالسل، أمراض اللثة، الدوسنتاريا، الإسهال... وغيرها من الأمراض، سواء باللقاحات أو بالمضادات الحيوية والعقاقير، وقد يكون هذا بدوره قد ساهم في انخفاض متوسط درجة حرارة الجسم.
وبينما يشير الانخفاض إلى أن سكان اليوم أقل عرضة للإصابة بالتهابات، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنهم أكثر صحة بشكل عام مقارنة بالأجيال السابقة؛ لأن الأمراض المزمنة الأخرى مثل مرض السكري والسرطان أصبحت أكثر شيوعًا في العقود الأخيرة، وهذا يعني أنه ليس من الواضح مثلًا أن السكان من بلد ما حيث يكون متوسط درجة الحرارة أقل من سكان آخرين بالضرورة أكثر صحة، ولكن ما تدعمه النتائج هو فكرة الابتعاد عن استخدام درجة حرارة طبيعية واحدة عالميًّا، والاتجاه إلى قراءات درجة حرارة أكثر تخصيصًا، تراعي العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على المقياس، مثل الطول والوزن والعمر ووقت القياس بالنسبة لليوم ودرجة الحرارة الخارجية، ومن ثم يمكننا تقدير درجة الحرارة الطبيعية للشخص بشكل أفضل مما نفعله حاليًّا، حيث نستخدم الآن رقمًا واحدًا قد لا يكون منطقيًا؛ لأن درجة الحرارة العادية قد تكون مختلفة بالنسبة للأشخاص المختلفين.