تشير مجموعة من الأبحاث إلى أن التدريب على الدفاع عن النفس قد يمكِّن النساء من مواجهة تهديد العنف الجسدي، من خلال توفير شعور بالتمكن من السيطرة الشخصية على سلامتهن. وفي هذا المجال، تناولت بعض الدراسات سؤالًا فريدًا: هل يمكن أن يكون التدريب العلاجي للدفاع عن النفس أداة فعالة للناجيات من الاعتداء الجنسي اللاتي يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة وأعراض الصدمة الأخرى؟
وعلى الرغم من أن البحث أولي فإن بعض المعالجين والباحثين يعتقدون أن الإجابة: نعم؛ ففي حين أن العلاجات القائمة على الكلام مفيدة بلا شك، فإن هناك حاجة إلى طرق إضافية. ويلاحظ الباحثون الذين يدرسون هذا النوع أوجه التشابه مع العلاج بالتعرض؛ أي أن يتعرض الأفراد في بيئة آمنة للأشياء التي يخشونها ويتجنبونها. وفي حالة التدريب على الدفاع عن النفس، لا يتعرض المشاركون لمحاكاة الاعتداءات فقط، بل ويتعلمون ويمارسون استجابات استباقية، بما في ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- مناورات الدفاع عن النفس. ومع مرور الوقت، يمكن لهذه المحاكاة المتكررة أن تحول على نطاق واسع ذكريات الاعتداء القديمة إلى ذكريات جديدة للتمكين.
وتقدم بعض المؤسسات حول العالم الآن دروسًا يشار إليها أحيانًا بالدفاع عن النفس لتمكين المرأة، الذي تطور في البداية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، على الرغم من أن جذور هذه التدريبات والتقنيات تعود إلى أبعد من ذلك. وبحسب الخبراء، فإن الأشكال التقليدية لفنون الدفاع عن النفس، طورها الرجال ومن أجلهم. ورغم أنها يمكن أن تكون فعالة للنساء، فإنها تتطلب سنوات من التدريب، ولا تتعامل مع ديناميات العنف الجنسي. ودروس الدفاع عن النفس التقليدية لا تقدم المعرفة والمهارات الخاصة اللازمة لصد المعتدي الذي ربما تعرفه الضحية.
لذلك كان أول استخدام لتلك التدريبات عام 1971، في صورة دورة حول محاكاة حماية النفس خلال عمليات السلب، بهدف مساعدة النساء في التغلب على الخوف، ثم تطورت الدورات على مر السنوات، مع إضافات من علماء النفس وخبراء الفنون القتالية وموظفي إنفاذ القانون. وعلى الرغم من أن الدورات التدريبية تختلف باختلاف المؤسسة التي تقدمها، فإنها تشترك في بعض القواسم المشتركة، بما في ذلك استخدام معلمة تدرس أساليب الدفاع عن النفس، ومعلم من الذكور يحاكي سيناريوهات الهجوم. وفي بعض السيناريوهات، يلعب هذا الدور شخص معروف للضحية، فيما يوفر المعالج إرشادات في مساعدة المشاركات على تعيين الحدود الشخصية المناسبة.
وبمرور الوقت، تم تطوير دورات متخصصة للدفاع عن النفس لتمكين الناجيات من الاعتداء الجنسي، تتطلب -بالإضافة إلى ما سبق- التعاون مع مختصي الصحة العقلية، وفي بعض الحالات يقدم الأطباء النفسيون الدعم خلال التدريبات. وفي حالات أخرى قد يوصون بأخذ دورة تدريبية ثم يقدمون الدعم خلال مواعيد العلاج النفسي.
وفي أوائل التسعينيات، بدأ الباحثون يدرسون الآثار النفسية لدروس التمكين للدفاع عن النفس؛ حيث توصلت دراسات متعددة إلى أن النساء اللائي شاركن في التجربة زادت لديهن الثقة بقدرتهن على الدفاع عن أنفسهن إذا تعرضن للاعتداء. وهذا الشعور بالفعالية الذاتية تم ربطه بمجموعة من النتائج الإيجابية.
وفي الورقة التي نشرت في عام 1990 في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، وصف الباحثون نتائج الدراسة التي شاركت فيها 43 امرأة في هذا البرنامج على مدى خمسة أسابيع. وكان 27% من المشاركات قد تعرضن للاغتصاب، وقبل البرنامج أبلغت النساء اللائي تعرضن لذلك عن شعور أقل بالفاعلية الذاتية فيما يتعلق بقدرتهن على مواجهة التهديدات الشخصية، كما شعرن بأنهن أكثر عرضةً للاعتداء، وأظهرن سلوكًا أكثر تفاديًا، كما واجهن صعوبة أكبر في التمييز بين المواقف الآمنة والمحفوفة بالمخاطر، وأفادوا بأنهن أقل قدرة على إيقاف التفكير التدخلي في الاعتداء الجنسي.
وخلال برنامج الدفاع عن النفس، تعلم هؤلاء كيفية نقل الثقة وكيفية التعامل بحزم مع التعديات الشخصية غير المرغوب فيها، وكيفية الصراخ لتخويف المهاجم إذا فشلت الجهود، ومن ثم أصبحن مُهيَّآت لحماية أنفسهن جسديًّا، وتعلمن كيفية تعطيل مهاجم غير مسلح من الخلف، وعند محاولة تثبيتهن أو إلقائهن على الأرض، وكذلك كيفية الدفاع عن النفس في الظلام وضرب المهاجمين. وجرت دراسة كل امرأة قبل إكمال البرنامج وأثناءه وبعده بستة أشهر لتحديد الآثار من خلال المسح وإجراء الاستطلاع، فلوحظ زيادة الإحساس بالفاعلية الذاتية في العديد من المجالات لدى المشارِكات، بما في ذلك قدرتهن على الدفاع عن أنفسهن، والسيطرة على التهديدات الشخصية. والأهم أنه في الأشهر التي تلت التدريب، لم تعد النساء اللائي تعرضن للاغتصاب يختلفن في أي تدابير عن النساء اللائي لم يتعرضن له.
وبعد أكثر من عقد ونصف في وقت لاحق، وبالتحديد في عام 2006، أجرى باحثون من جامعة واشنطن في سياتل، بالتعاون مع نظام الرعاية الصحية في بوجيت ساوندز؛ دراسة نظرت على وجه التحديد في قدامى المحاربين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وخاصةً الصدمة الجنسية العسكرية، وحضر المشاركون في الدراسة برنامجًا تجريبيًّا مدته 12 أسبوعًا يتألف من تثقيف حول الآثار النفسية للاعتداء الجنسي، والتدريب على الدفاع عن النفس. وبحلول نهاية الدراسة أبلغ المشاركون عن تحسينات في عدد من التدابير، وانخفاض أعراض الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
وفي الوقت الحالي، يوضح الخبراء أن الشفاء الذي أبلغ عنه المشاركون قد يكون جزئيًّا؛ بسبب عملية تعرف باسم تعلم الانقراض، وهو ما يحدث في فصول الدفاع عن النفس العلاجية بإعادة تشغيل الحدث المؤلم لكن بسيناريو وسياق جديد، بحيث تكون ردود فعل الشخص نموذجية وجديدة وغير مؤلمة، ولكن وبغض النظر عن المزايا المحتملة لهذه التدريبات، فإن استخدامها كعلاج ليس مقبولًا عالميًّا حتى الآن؛ حيث يشكك بعض خبراء الصحة النفسية في تأثيرها بنافذة التسامح الخاصة بكل شخص.
وحسب بعض الخبراء، فقد بدأ الدفاع عن النفس كحركة شعبية، لكنه أصبح موضة وتجارة رائجة، وقد نسمع اليوم عن دورات تدريب تستغرق أقل من أسبوع، مع مدربين ليس لديهم خبرة أو معرفة سريرية، مع أن الدفاع عن النفس ليس سهلًا بهذا القدر، كما أنه قد لا يحقق النتيجة المرجوة.