عمل خبراء الصحة العامة بجد منذ فترة على تذكيرنا بأهمية التمارين الرياضية للصحة العقلية والبدنية؛ حيث نجحوا في إيجاد رابط بين النشاط البدني وتخفيف أعراض الاكتئاب، وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان والسكري والسمنة، والعيش لفترة أطول، لكن تقريرًا عالميًّا عن كل دولة على حدة حول النشاط البدني للمراهقين، أشار إلى أن الغالبية العظمى من المراهقين في العالم لا يتلقون هذه الرسالة.
النشاط المعتدل
ففي دراسة حديثة نشرت بمجلة لانسيت لصحة الأطفال والمراهقين، قام الباحثون في منظمة الصحة العالمية بتحليل نتائج الدراسات الاستقصائية التي شملت 1.6 مليون مراهق، تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عامًا، من 146 دولة؛ حيث أجاب المراهقون على أسئلة حول مقدار النشاط البدني الذي تلقوه في المدرسة أو من تلقاء أنفسهم.
وإجمالًا فإن 81% من المراهقين لم يستوفوا توصيات منظمة الصحة العالمية الخاصة بساعة واحدة من النشاط المعتدل إلى النشِط في اليوم في عام 2016.
وبحسب الباحثين المشاركين في الدراسة، فليس من المفاجئ ارتفاع معدلات نقص النشاط البدني، لكن ما يخيب الآمال هو أن الجهود التي بُذلت لم تصل إلى الحجم أو التأثير الذي يريده العلماء؛ حيث لا تزال مستويات عدم النشاط مرتفعة خلال فترتي الدراسة (2001 و2016)، وهو ما يشكل مصدر قلق كبير؛ حيث تهدف المنظمة إلى الحد من خمول المراهقين بنسبة 15% على مستوى العالم بحلول عام 2030، وهو هدف يبدو أنه لن يتحقق على الأرجح بالوضع الحالي. وعلاوةً على ذلك، فإنه في حين انخفضت معدلات انعدام النشاط البدني لدى الأولاد انخفاضًا طفيفًا بين عامي 2001 و 2016، لم تتغير معدلات الفتيات. وهذه النتائج تشير إلى الحاجة الملحة للعمل.
الأعلى خمولًا
وبحسب الخبراء، فلأول مرة يتم تتبع الخمول بين الدول والمناطق المختلفة؛ لذلك يمكن للباحثين الآن الوصول إلى فهم أفضل، بالنظر إلى معدلات ممارسة الرياضة المنخفضة، ومع ذلك يجب النظر في تلك البيانات في السياق؛ لأن السبب وراء ارتفاع معدلات نقص النشاط قد يكون مختلفًا باختلاف أجزاء العالم. وبوجه عام، فقد تم العثور على أعلى المعدلات في البلدان الآسيوية ذات الدخل المرتفع؛ فقد كان لدى الكوريات أعلى معدل لنقص النشاط البدني؛ حيث لم تستوف 97% المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية في تلك المناطق.
ويشتبه الباحثون بعاملين قد يسهمان في قلة النشاط البدني هناك؛ أحدهما النمو الهائل للاقتصاد الذي أدى إلى زيادة استخدام التقنيات الرقمية القائمة على الشاشة، التي تُبقي الأطفال مستقرين. والثاني ثقافة تعطي الأولوية للتعليم على النشاط البدني.
وفي أجزاء أخرى من العالم، قد تؤدي العوامل الأخرى (مثل الفقر وسوء التغذية وقلة الموارد)، إلى ارتفاع معدلات الخمول البدني؛ لعدم قدرة المدارس على توفير برامج منتظمة للتربية البدنية.
فيما حدثت أكبر التحسينات في خفض معدلات انعدام النشاط البدني بين المراهقين في الفترة من 2001 إلى 2016 في بنجلاديش وسنغافورا وتايلاند وبنين وأيرلندا والولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أن هذه الانخفاضات كانت ضئيلة نسبيًّا في جميع هذه الحالات؛ حيث بلغت حدها الأقصى نحو خمس نقاط مئوية.
أهمية التربية البدنية
وتوضح نتائج الدراسة الحاجة إلى إعادة تقييم الجهود الحالية لجعل المراهقين يمارسون الرياضة، بدءاً من البرامج المدرسية، فالتأكيد على أهمية التربية البدنية في المدارس يمكن أن يساعد الطلاب على تبني عادات ممارسة جيدة فيما يخص النشاط البدني، تبقى معهم عندما يصبحون بالغين، ومن المهم أيضاً أن تقدم المدارس مجموعة متنوعة من خيارات التمارين التي يمكن أن تلائم مجموعة من التفضيلات الفردية، وتتجاوز البرامج التقليدية القائمة على الألعاب الرياضية الجماعية.
وبحسب الباحثين، فقد تبين من الدراسة، الاختلافات بين الفتى والفتاة في الخمول، وهو ما يحتاج إلى التفكير بعناية، وإبداع حول ما يستمتع به الفتيان والفتيات ويريدون المشاركة فيه، من خلال الحلول المحلية لهذه المشكلة العالمية. وهذا يعني أنه يجب على المجتمعات المحلية أيضًا إعطاء الأولوية للنشاط البدني بتوفير الموارد لجعل الأشكال التقليدية وغير التقليدية لممارسة الرياضة في متناول الجميع ويمكن الوصول إليها، مثل الحدائق والأرصفة (التي أثبتت أنها تجعل التنقل في المناطق الحضرية أكثر أمانًا). وبدون ذلك سيكون من الصعب الوصول إلى الهدف العالمي؛ حيث سيتطلب الأمر تغيير المجتمع بأسره.