هل يكره العالم السعودية؟

تم النشر في

كنت في رحلة بين العاصمة الرياض وروما في يناير الماضي وبجواري جلست فتاة إيطالية قد مكثت في السعودية قرابة عشرة أيام، وكان سؤالي المعتاد مصحوبا بابتسامة لماذا نشعر كسعوديين بكراهيتكم بين الفينة والأخرى؟، فابتسمت وقالت قبل أن آتي للسعودية كنت قلقة بسبب ما يُقال عنكم في الإعلام الغربي، وأصبحنا نخاف منكم وخصوصا بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وصعود العمليات الإرهابية، وتصوير الإعلام الغربي بأن العرب والسعوديين لهم علاقة بالإرهاب؛ لكن حقيقة ما وجدته في الرياض عكس ما كنت أقرأه، فأنتم شعب كريم وسأعود إليكم مرة أخرى.

هذا دعاني إلى القول إن تسويق البعض مفردة "كراهية الغرب بين مجتمعنا" لا يتفق مع السياق العام والرأي الذي نعايشه في الدول الغربية، وهذا يجعلني أقول إننا نجد صعوبة في تسويق صورتنا الذهنية وتعزيزها لدى المتلقي الغربي أو الشرقي وذلك لأسباب عدة، ومن أبرزها "المحتوى الإعلامي" الذي نسوّقه لا يتوافق مع البنية اللغوية والاجتماعية والثقافية للمستهدفين، فمثلا لو أردنا تسويق مشاريعنا لدى الناطقين بالإسبانية فعلينا تكييف محتوى مثلا يخص الناطقين بـ "الكاستيانية الإسبانية" في مملكة إسبانيا، وتكييف محتوى يتوافق مع الناطقين بالإسبانية في المكسيك والأرجنتين وتشيلي من ناحية أخرى، إذ إن كل دولة لديها قوالب لغوية وثقافية واجتماعية تستقبل عبرها المصادر الثقافية الأخرى وتتكيّف معها.

إن من الطبيعي عند تصميم وتخطيط المحتوى الإعلامي للجمهور المستهدف أن يمر عبر تقنيات تتوافق مع المنصات الإعلامية المستهدفة ولعل من أبرزها التعرف على خصائص المُستقبل والبدء في التفكير مثله ومحاكاة ما يفكر به، بحيث يعطيه الانطباع بأننا نفهمه ، فنحن بتصميمنا لهذا المحتوى سنتعرف على احتياجاته الثقافية والفنية والسياحية التي قد يجدها في بلدنا، ولذلك لا بد قبل تصميم المخطط الإعلامي لا بد من إجراء تحليل لجمهور البلد المستهدف وكيف يتواصل مواطنوه، وما هي الشبكات الاجتماعية الأكثر حضورا، إذ إن ما نراه في بلدنا من منصات إعلامية مشهورة هي منصات غير مشهورة في بلدان أخرى، مثلا في السعودية لدينا تويتر وسناب شات، بينما في إسبانيا الفيس بوك وانستغرام.

إن تصميم المخطط الإعلامي لا يجب أن يترجم فقط جزءا معينا من الخدمات والمنتجات في بلدنا، بل يجب أن يكون هناك مخطط محتوى كبير يمتد بين ٣-٥ سنوات، يتم من خلاله استهداف جمهور ما من أجل اتصال الصورة الذهنية، إذ إن ترجمة جزء من حملة إعلامية لا يجعل الصورة تكتمل في ذهن المتلقي، كما أن استخدام الترجمات التلقائية أو التعاقد مع مترجم عربي لترجمة محتوى باللغة الإسبانية قد لا يعمل بشكل جيد، كما أن بعض المترجمين يقوم بالترجمة بشكل صحيح؛ لكنها ليست منطقية في اللغة المترجم إليها وبالتالي تفتقد الرسالة تأثيرها، لذا لا بد من أن يكون هناك مركز لإدارة وصناعة المحتوى في الدول المستهدفة.

أمر آخر، وهو استخدام المنصات التي يتواجد بها الجمهور، فمثلا في إسبانيا يتواجد المراهقون وحتى سن ٢٥ سنة في منصة تيك توك، فيما يتواجد من الأعمار ما بين ١٨ عاما إلى ٤٥ عاما في منصة انستغرام، فيما يتجه من أعمار أكثر من ٤٥ عاما إلى منصة الفيس بوك، ولذلك فإن الخطأ الجسيم هو إنشاء محتوى واستخدامه بلغات عدة في منصة لا يوجد بها غالبية الجمهور المستهدف، هذا مضيعة للجهد ويضعف الرسالة.

بقي القول، إن العالم لا يكره السعودية أو السعوديين، لكن العالم يريد سماع قصتنا بطريقتنا وبلغتهم الفريدة، فرواية القصة تتطلب أن يكون لدى مخططي الحملات الإعلامية الشعور والتعبير عن شيء عميق بداخل قصتنا، ورغبة عارمة في الكتابة في المواضيع التي تستحق أن نرويها للعالم بلغته، مثلا أن نروي قصة ملهمة تتعلق بالتراث أو الثقافة أو الفن أو ما تحوزه بلادنا من شواطئ وصحاري شاسعة، وشعاب مرجانية، واقتصاد مزدهر وشعب كريم مضياف، فالقصة الفريدة بطريقتنا وبلغة الآخر هي الطريق الأكثر وضوحا في جلب المحبة والمال لبلادنا العظيمة.

باحث مختص في المحتوى والإدارة الإعلامية بإسبانيا*

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa