قبل عام 2017 كان الإجماع العلمي يقول إن "مهد البشرية" يقع في شرق أفريقيا (وتحديداً في إثيوبيا) حيث اكتُشفت أقدم رفات للإنسان العاقل، كانت الفكرة السائدة هي أن البشر ظهروا في إثيوبيا قبل 195,000 سنة، ثم انتشروا في بقية العالم على مدى قرون.
غير أن تأريخ الرفات المكتشفة في "جبل إيغود" في المغرب أطاح بمعلومات كانت تُدرس عن أصل الإنسان لعقود طويلة؛ ففي عام 2017 عثر فريق بقيادة العالم "جان جاك أوبلان" على بقايا عظمية لـ 5 أفراد في جبل إيغود، تضمنت جماجم، وفكاً سفلياً، وأسنانًا، وعظاماً طويلة، وكانت المفاجأة أن عمرها يفوق عمر البقايا الإثيوبية بـ 100 ألف عام على الأقل، وهذا التاريخ تم تأكيده باستخدام تقنيات تأريخ أجراها معهد "ماكس بلانك" في ألمانيا، كما تطابق تاريخها مع عمر أدوات الطبخ و"الصوان المحروق" الذي وُجد بجانب العظام البشرية. وفي المجمل تم التأكد أن عمر هذه العظام يعود لـ 300,000 إلى 315,000 سنة على الأقل.
وهذا يعني أن الإنسان العاقل كان أقدم مما نظن بـ 100 ألف سنة، وظهر في مكان بعيد جداً عن إثيوبيا وشرق أفريقيا. أما الدراسة التفصيلية للجماجم فأظهرت أن الإنسان في ذلك الوقت كان يملك وجهاً حديثاً تماماً (يشبه وجوهنا اليوم)، بحيث لو ارتدى قميصاً وبنطالاً ومشى اليوم في الشارع لما ميزناه عن غيره.
أما الجمجمة فكانت ممتدة ومستطيلة (وليست كروية تماماً مثلنا)، الأمر الذي جعل علماء التطور يفترضون أن شكل الوجه البشري تطور مبكراً جداً، بينما شكل الدماغ ووظائفه المعقدة استمرت في التطور لاحقاً، وبوجه عام، ألغى هذا الاكتشاف فرضية تطور الإنسان (أو نزوله إن شئت) في شرق أفريقيا، وأن المغرب هو حالياً المهد الأقدم للبشرية.. بل إن هذا الاكتشاف جعل العلماء يفترضون أن البشر الأوائل ظهروا في مواقع مختلفة في أفريقيا في وقت واحد، وما زاد من قوة هذه الفرضية أن ملامح الجماجم المكتشفة في المغرب تشبه ملامح جمجمة يبلغ عمرها 260,000 سنة اكتُشفت (لاحقاً) في "فلورسباد" بجنوب أفريقيا.
على أي حال، لاحظ أن شمال أفريقيا كان وقتها أكثر خصوبة واخضراراً، وأن الصحراء الكبرى كانت حينها مروجاً وغابات، وطبيعة خصبة كهذه تسهل على المجموعات البشرية التنقل والهجرة والتزاوج وتبادل الجينات والأدوات بين شمال وجنوب وشرق القارة، وليس أدل على هذا من تشابه الرماح والسكاكين والأدوات الحجرية المكتشفة في عدة مواقع في قارة أفريقيا.
بقي أن أشير إلى أن اكتشاف جبل إيغود يعني أن جذورنا أعمق مما نتخيل (خصوصاً حين تقارن رقم 300 ألف عام بهجرة الرسول قبل 1447 عاماً أو ميلاد المسيح قبل 2025 عاماً فقط).
ولكن لاحظ أيضا أن ظهور البشر قبل 300 ألف عام (فقط) يعني أننا مخلوقات حديثة وطارئة مقارنة بتاريخ الأرض الذي يتجاوز 4 مليارات عام.. تعني أننا ما زلنا (في سن الطفولة) مقارنة بالديناصورات التي عاشت لأكثر من 300 مليون عام متواصله، وانقرضت قبل ظهورنا اصلاً بـ 60 مليون عام على الأقل.