أغلال من ورق!

يُحكم على الإنسان قبل حتى أن يُصبح علَقَة، وتُصنع له الأصفاد مُسبقًا بشكلٍ قابل للتمدد، حتى تتمددّ مع هذا الإنسان من يومِه الأول حتى الأخير، بل حتى يُدفَن وهو متزيّن بها!

فما هو ممنوع للاقتراب أكثر بكثيرٍ مِمّا هو مسموح، وما هو محظور للتجربة أضعاف ما هو مفسوح، ليكون بذلك طريق الإنسان معبَّدا وجاهزا لتكرار نسخة أخرى من حياة مليارات البشر.

أحدهم فقد عقله يومًا، وقرر أن يحيد عن ذاك الطريق المُعبّد سَلَفًا، فسلك طريقًا آخر وأنتج للبشر ما لا يمكنهم العيش من دونه، حتى جنّ جنون "العقلاء"، فكيف لفاقدِ عقل كهذا أن يصنع أثرا كبيرا؟، الأكيد أنها صدفة لا يمكن تكرارها!

ألهَم هذا المجنون صاحب الصدفة قليلا من العقلاء، ليتخلّوا أيضًا عن عقولهم ويعكسوا الطريق المعبّد، وينتجوا مالا يمكن للحياة أن تستمر دونه اليوم، رغم تخلّيهم عن منهج "العقلاء" ومع ذلك كانت الذريعة الوحيدة لنجاحهم هو "الصدفة"!

كان هؤلاء المجانين لحظة معاكستهم للطريق مَحَط سخط وازدراء من الآخرين، حتى أتَت اللحظة الحاسمة التي بدّلت ذاك السخط بحفاوة وإجلال، إلا أن هذه اللحظة غالبًا ما تأتِ والمجنون في نومة أبدية!

لِم هذا التأخير؟ يبدو أن كبرياء "العقلاء" يمنعهم إنصاف "المجانين" في لحظات نشاطهم، فيتأجل الإنصاف حتى تطول غفوة المجنون، ولا تصبح له مساحة للتشفّي!

وإذا ما سُئِل أحد المجانين عن المقادير السحرية للجنون، سيردّ قائلا: ليست مقادير سرّية، كل ما عليك هو التحرُّر من الأغلال، تلك التي ستكتشف بمجرد تحريرها أنها ليست سوى أغلال من ورَق!

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa