كونان والدرس القاسي
تأخرت عن أحد مواعيدي الهامة، فتوقفت لتناول وجبة خفيفة من أحد المحلات عوضًا عن وجبة الغداء. أثناء سيري اعترضني شخص قائلًا: «السلام عليكم، يوجد شخص في سيارته وحالته غير طبيعية»، أجبته: ثمَّ؟ قال: هل لكَ أن تتصل بالإسعاف؟ قلت: افعلها أنت. كان الجواب مُعدًا مسبقًا: أنا أجنبي. عجبي! وإن يكن. عذرًا أنا على عجالة من أمري. دفعت النقود وانصرفت. قام ضميري بفتح باب السيارة وأعطاني هاتفي الجوال.
اتجهت مع المقيم لمركبة قريبة قد تم إيقافها بطريقة خاطئة، لتحتجز أكثر من موقف. كان بداخلها شخص في العقد الثالث من عمره، وقد كانت حالته غير طبيعية- كما أسلف صاحب المحل. تستطيع أن تتخيل كل ما دار في رأسي منذ رؤيته للوهلة الأولى؛ سيارة متوقفة بشكل خاطئ، نوافذها مفتوحة، وقائدها غارق فيما يشبه النوم، وقد بالغ في إعادة وضعية المقعد للخلف. كانت قدمه اليسرى على المقود، والأخرى قد عَلِقت بعصا (القير). لقد قام بـ(.....) في ملابسه- التي تخص إحدى الشركات، كم أساء لنفسه وللشركة أيضًا.
أطلقت المحقق كونان الذي بداخلي، وقررتُ التأكد مما يدور في عقلي قبل الاتصال بالجهة المعنية.
كونان: سلامات يا أبو الشباب، وش فيك؟ تعبان!
بصوت متقطع غاية في الثقل وغير مفهوم تمامًا قال الشخص: واللللللله شووووي.
كونان يسأل باستنكار لاختبار ردة الفعل: تبغى أكلم لك المستشفى أو الشرطة؟
الشخص وبنفس الوتيرة: لييييه الشرطة! وشششش مسووووي أنا؟
حينها اقتنع كونان أن الرجل في حالة سكر شديدة. تأرجح كونان بين خيارين، أولهما أن يُبَّلغ الشرطة أو الإسعاف عن الحالة، والثاني أن يستر عليه لوجه الله تعالى. طلبتُ منه رقم أحد من أقاربه لأتصل به، إلا أنه كان يتحدث بشكل غير مفهوم. تذكرت موعدي، فهممت بالانصراف. لحق بي صاحبي الأول، سائلًا أن اتصل بأي جهة. أجبته نيابة عن كونان: لو كنت أرى ما يستدعي الاتصال لفعلت، ولكني أرى أن أتركه ليرتاح قليلًا، ليتمكن من قيادة سيارته بأمان.
انطلقت مسرعًا، والأفكار تتسابق، منذ متى وهو على هذا الحال؟ هل كان في مكان قريب يوفر هذه الأشياء، وقد قدِم مباشرة لجهة عمله؟ وووووو
بعد ما يقارب ساعتين كان طريق عودتي يمرُ بمركبة ذلك الرجل. ولأنني قد انتهيت من موعدي؛ قرر كونان النزول والنظر فيما حلّ بذلك الرجل. كان بداخل مركبته، ممسكاً بهاتفه الجوال. طرقتُ النافذة لأتأكد من أن أحدا قادم لأجله. فتحَ النافذة ودار الحوار التالي.
كونان: السلام عليكم، عرفتني؟ كان مجرد اختبار لمعرفة درجة وعيه.
قال الشخص بصوت واضح تمامًا: عليكم السلام، للأسف لا والله ما عرفتك!
تعجب كونان، كيف لأي شخص أن ينتقل من تلك الحالة لهذه الحالة بهذه السرعة.
كونان: كنت هنا قبل ساعتين، وسألتك عن رغبتك في أن أكلم أحدًا لأجلك.
الشخص: أنت اللي كلمت المستشفى؟ جزاك الله خير؛ كان السكر منخفض جدًا، بغيت أموت. شكرًا لك.
كونان: بيض الله وجه صاحب المحل- هو اللي اتصل مش أنا. انصرفت وأنا أحمل إحساسًا بالذنب، وخيبة لا يمكن أن تشرحها حرفي.
بدأتْ تتضح الصورة، شخص انخفضت لديه نسبة السكر، فبدأ الانهاك سمته، احتاج لدورة مياه، ولم يقدر على بلوغها، لم يعدْ دماغه يستقبل الكمية الضرورية من السكر من الدم، فسارع لرفع قدميه ليدفع بكمية أكبر من الدم للدماغ حتى لا يفقد الوعي. كنتُ أحدثه، وكانت استجابته كما شرحتُ بسبب ذلك. لماذا يا كونان لم تحلل ذلك!
رميت بقبعة كونان في أقرب برميل نفايات. وسألت فهد: من أعطاك الحق بمحاكمته؟ والحكم على ظواهر الأمور، وإن بدت كما تبدو عليه؟! أما كان الواجب المسارعة بإبلاغ الشرطة. فإن كان كما هو بالفعل؛ يتم إسعافه، وربما أسهمتَ في إحياء نفس، وإن كان غير ذلك؛ يتم التحفظ عليه لسلامته وسلامة غيره من مستخدمي الطريق.
لطالما كانت كثيرًا من مشاكلنا بسبب رغبتنا في (إكمال الرواية)، وليست كل الروايات متشابهة.