في قراءة اتصالية لميزانية السعودية الأخيرة يتضح أن الإنسان السعودي يقف في مركز المعادلة المالية والتنموية وهو دأب سارت عليه القيادات السعودية المتتابعة. ولذا توجه الميزانيات لنماء الإنسان فهو ركيزة مهمة في صلب الخطط الحكومية. ومن ينظر إلى التوزيع القطاعي للأرقام فهو سيرى بأن ذلك ليس مجرد إنفاق تقليدي، بل هو تعبير عن رؤية استراتيجية تحرص على تعزيز الأمن الشامل بشقيه الحياتي والعسكري، وتحصين التنمية من المخاطر الإقليمية والتحديات الداخلية، مع الاستثمار في بناء رأس المال البشري على المدى الطويل. ويظهر ذلك جليا في رؤية السعودية ٢٠٣٠م والمشاريع التي تعمل عليها. ولذا كانت الميزانية ميزانية خير ونماء
ولعل المطلع علي الميزانية سيرى أن الرقم الأكبر أي ٢٤٠ مليار ريال ذهب للقطاع العسكري وهذا يأتي في سياق بيئة إقليمية معقدة ومحفوفة بالتهديدات الجيوسياسية وما يستلزم تطوير القدرات السعودية العسكرية. ومن المهم التأكيد بأن وجود قوة ردع حديثة وقادرة ستحمي بلا شك المكتسبات الاقتصادية والاستراتيجية التي تحققها المملكة ضمن مسارات رؤية 2030، كما يضمن حماية البنية التحتية النفطية والاقتصادية وممرات الشحن والموانئ الاستراتيجية. وعليه فإن فالأمن العسكري هنا ليس غاية بذاته، بل مظلة تحمي الاستثمارات الضخمة في السياحة، اللوجستيات، الطاقة المتجددة، والصناعات الوطنية.
ولا يذهب قطاع الأمن والمناطق الإدارية بعيدا، فقد وجهت له ميزانية بلغت ١٢٠ مليار ريال سعودي باعتباره امتدادا لفلسفة “الأمن المجتمعي”، الذي يشمل مكافحة الجريمة، تعزيز الاستقرار المدني، وتطوير الإدارة المحلية ومنح المواطن والمقيم جودة حياتية، وهو امتداد لمقولة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي يقول: بأن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون.
هذا الإنفاق يخلق بيئة معيشية آمنة ومنظمة، ويزيد الثقة بين المواطن والدولة، ويهيئ المدن لتكون قابلة للاستثمار والسكن والعمل المنتج، من الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة إلى المناطق الجديدة مثل نيوم والقدية، والمناطق الطرفية التي تشهد مشروعات تحولية.
في مقابل هذا الإنفاق على القطاع العسكري والأمني، يظهر انفاق آخر وهو الاستثمار الحقيقي في المستقبل عبر ٢٠٢ مليار ريال للتعليم و٢٥٩ مليار للخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية. هذان القطاعان يمثلان القاعدة الصلبة لصناعة المواطن القادر، فالتعليم يبني العقل، المعرفة، والمهارات؛ بينما الصحة والتنمية الاجتماعية تحافظ على الحياة الكريمة وتضمن شبكات الحماية للفئات الأكثر احتياجاً. ولذا فالاستثمار في المدارس والجامعات والبحث العلمي يتكامل مع الإنفاق على الرعاية الطبية الحديثة والتأمين الصحي والتوسع في البنية الطبية المتخصصة.
بقي القول، بأنه عند جمع هذه القطاعات الأربعة، نجد أنها تمثل نحو ٦٢٪ من إجمالي الميزانية، وهو مؤشر دال على أن المملكة لا ترى الإنسان رصيداً إنفاقياً، بل أصلًا استراتيجياً بل هو الركيزة الأساسية في صناعة الحاضر والمستقبل. وهذا يؤكد أن هذه الميزانية هي ميزانية تؤكد أن حماية الإنسان، وتعليمه، وتمكينه صحياً واجتماعياً ليست بنوداً ثانوية، بل هي أساس بناء الدولة الحديثة القادرة على المنافسة عالمياً. وبهذا النهج، تُعيد السعودية تعريف الإنفاق العام كأداة تخدم المواطن مباشرة وتمنح الاقتصاد قوة ونفساً طويل المدى في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله.