هل نحن بحاجة لوكيل أمير المنطقة للاتصال المؤسسي؟

تم النشر في

في ظل التحوّل الذي أحدثته رؤية السعودية 2030 في نمط عمل الجهات الحكومية وشبه الحكومية، أصبحت الصورة الذهنية لأي منطقة استراتيجية لا يُقدَّر ثمنها، وتدفعنا تجارب عالمية إلى استحداث منصب مصمم خصيصاً للاتصال المؤسسي ضمن هيكل الحُكم المحلي، ليعمل كحلقة وصل مركزية بين الرؤية التنموية، التفعيل الإعلامي، الهوية المناطقية، والفرص الاقتصادية والسياحية، وبين الجهات الحكومية، المجتمع المحلي، والمشهد الدولي؛ ومن هنا تُبرز اليوم الحاجة المُلِحَّة لتعيين «وكيل أمير للاتصال المؤسسي» في كل منطقة، لا باعتباره ترفًا، بل كضرورة تنظيمية حيوية، خصوصًا في ظل الاجتهادات الفردية المتفرقة من إمارات المناطق أو هيئات التطوير — فتوحيد المنظومة بات أمراً -أرى- بأنه لا يُحتَمَل تأجيله.

ويعد مصطلح صورة الأماكن (Place-branding) مهما في إدارة الصورة الذهنية للمنطقة والمدينة باعتباره مصطلحا تسويقيا يعمل وفق رسالة واضحة؛ فهذا المصطلح يصيغ رؤية اتصالية واضحة ومتماسكة للمنطقة فهو يلخص من "من نحن"، ماذا نريد أن نكون، لماذا منطقتنا تحديدا؟ كيف يمكننا أن نعمل، وهذا ليس مجرد حملة إعلامية بل قصة تحكي كيف يعيش كل أهل منطقة، وفي السعودية تحديدا، فإن لكل منطقة سياقها الخاص -تاريخيا، بيئيا، اقتصاديا، ثقافيا، تحديات محلية- وهذا يدفعنا لاستحداث منصب اتصالي يساعد في ضبط الرسالة الموحدة لكل منطقة. هذا المنصب أيضا يقلل من عملي التشتت بين وزارة وأخرى، أو جهة محلية وأخرى، بحيث تصبح المنطقة " علامة " لها حضورها ورؤيتها ورسالتها الخاصة.

ماذا يُمكن أن يقدم منصب "وكيل أمير المنطقة للاتصال المؤسسي"؟. هو يقوم بتسويق المنطقة بوعي استراتيجي، ويتابع وينشئ الفرص ويسلط الضوء عليها وعلى المزايا التي تزخر بها المنطقة من سياحة طبيعية أو ثقافية أو دينية أو لديها تجارب صحية أو تحتوى على أعمال محلية وبنية تحتية لوجستية، وهل هناك فرصة لإمكانية التوسع في القطاع الصناعي أو الزراعي. إن منصب "وكيل الاتصال المؤسسي" قد يحول ما قد يكون "مجهولا محليا" إلى " وجهة مفضل"، وهناك دراسات تم ربطها بـ "Place Branding" أشارت لفوائد عديدة مثل زيادة الوعي تجاه المدن، وتحفيز الاستثمارات، وجذب الشركات والأفراد، وبما أن كل منطقة من مناطق المملكة تسعى لتعزيز التنوع الاقتصادي ، وللارتقاء بمكانتها الإقليمية والعالمية – فإن هذا المنصب يُعدّ ضرورياً.

صاحب هذا المنصب سيقوم بتنسيق الرسائل المتعلقة بالمنطقة عبر القنوات المحددة سواء محليا أو إقليميا أو عالميا، سيتابع الأداء ويقيمه ويراقب الصورة المنشورة، ويبني الشراكات مع القطاعات المحلية والدولية، كما سيمتاز بقدرته على إدارة الأزمات أو الشائعات التي قد تضر بالصورة الذهنية لكل منطقة، وأشارت دراسات في هذا السياق إلى إن نحو من %86 من مشاريع "Place Branding" قد تفشل إذا لم يكن هناك توافق داخلي ورؤية واضحة ومتابعة مستمرة؛ لذا، من خلال هذا الوكيل أو المسؤول، يمكن ضمان أنها ليست فقط لحظة ترويج بل عملية مستمرة من التخطيط، التنفيذ، التقييم، والتعديل، كما أنه يجسّد دوراً تمكينياً للمجتمع المحلي والقطاع الخاص.

وهناك نماذج عالمية لعدة مدن ومناطق حول العالم تبنت منطقاً مشابهاً، مثلاً Helsinki في فنلندا أطلقت علامة «Helsinki Smart Region» لتعزيز منطقة العاصمة وربطها بالابتكار والاقتصاد العالمي. أيضاً Amsterdam أطلقت حملات «I Amsterdam» ومن ثم حورت هويتها المؤسسية باتجاه الاقتصاد الدائري والمستدام. هذه الأمثلة تؤكد أن المناطق (وليس فقط المدن الكبرى) تستطيع أن تكون علامات تميز، وبما أن المملكة لديها رؤية طموحة (كرؤية المملكة 2030) لرفع تنافسية المناطق المختلفة، فإن وجود هذا المنصب لدى كل منطقة أو تجمع يعطي زخماً تنفيذياً وتطبيقياً للسياسات.

بقي القول، إذا كانت المناطق في المملكة تسعى لأن تكون فاعلة، جاذبة، ومتماثلة مع رؤية الدولة الشاملة، فإن تعيين «وكيل للاتصال المؤسسي» لدى أمير المنطقة أو الجهة الإدارية المعنية لا يعد مجرد وظيفة تنظيمية، بل ضرورة استراتيجية. إن هذا المنصب سيكون جسر بين الرؤية والواقع، بين الإنتاج المحلي والتواصل العالمي، بين الهوية المحلية والفرصة الاقتصادية. ومن خلاله يمكن للمنطقة أن تقول: «نحن نملك قصة، نملك هوية، نملك منصة، ونريد أن نُرى، نُسمع، ونُختار».

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa