تلعب السفارات السعودية مدعومة من وزارة الخارجية دورًا هامًا في تعزيز مكانة المملكة من خلال التمثيل الدبلوماسي، وحماية مصالح الرعايا، وتعزيز العلاقات الثنائية، وخدمات إضافية تساهم في تحقيق الأهداف المرجوة، ولعل هذه الأهداف تعتبر تقليدية، ومع رؤية ٢٠٣٠ تعمل السفارات على لعب دور أكبر وتقديم خدمات أوسع تتواكب مع إمكانيات الرؤية.
ومع التأثير السعودي المتمدد إقليميًّا وعالميًّا، تكثر الأسئلة حول دور السفارات الحالي وأين يجب أن تكون، وبلا شك فالدول المؤثرة تنشط سفاراتها طبقًا لأهدافها ومواطن قوتها، فالسعودية اليوم نستطيع أن نقول: إنها تضع قدمها بين اللاعبين الكبار في هذا العالم الذي بدأت أقطابه تتعدد؛ ولذا فالسفارات يجب أن تكون بقدر هذا التأثير وتلعب دورًا أكثر تقدمًا وخصوصًا في البلدان ذات التأثير، مثل أوروبا وأمريكا والصين وروسيا، أو في الدول المؤثرة بلغاتها مثل: إسبانيا وبريطانيا وروسيا.
وعندما يأتي الحديث حول دور السفارات ينبري فريق يدافع عن أعمالها، وأنه يجب أن تنفذ المطلوب منها كسفارة تقليدية، ومن يلعب الدور المؤثر باستخدام القوة الناعمة هي الجهات الأخرى مثل وزارة السياحة وهيئة الترفيه، ولا يجب على السفارات أن يكون المنتسبون إليها يتحدث بلغات ذلك البلد، وذلك تأكيدًا على الدور التقليدي والحساسية التي قد تعكسها تحركات السفارات.
لكن الفريق الآخر يرى أن رؤية ٢٠٣٠ تتطلب سفارات محترفة رقمية لديها قدرة على التواصل مع المجتمع المحلي، لا سيما وهي تقوم بتوظيف مواطنين من البلدان التي تقع فيها، وتسهل العلاقات التجارية، وتشرف على التبادل الثقافي، ويرى هذا الفريق أيضًا أن المشاركة المحدودة مع المجتمعات المحلية والاكتفاء بالواجبات الرسمية يضيع فرص التأثير الإيجابي والتفاهم المتبادل.
ومما لا شك فيه أن السفارات قد تصب اهتمامها على خدمة المواطن السعودي وبدرجة أقل الاندماج في المجتمع المحلي، وقد يخشى البعض من سوء الفهم الثقافي، وقضايا تتعلق بحقوق الإنسان والمرأة، لا سيما وأن السعودية تقدمت تقدمًا كبيرًا في هذين الملفين، لكن هذا لا يعني ألا تقوم السفارات بدور مهم والتحول نحو التطور والرقمنة في تعزيز الثقافة السعودية والقيم الوطنية من خلال المشاركة في الفعاليات المحلية، وتنظيم المعارض الفنية والتراثية والموسيقية والمسرحية والمهرجانات، وتقديم برامج تعليمية وتثقيفية للجمهور المحلي.
إنه لا يمكن الاتكاء على مستشارين أجانب لتقديم قوتنا الناعمة في الرياضة والثقافة والسياحة والفن، بل ينبغي أن تتواصل السفارات مع المجتمع المحلي وتلتقي بالمؤثرين وخصوصًا في سياق المعارض والمهرجانات؛ وذلك للتعرف على هذا المجتمع وفهم احتياجاته من خلال إجراء الدراسات الاستقصائية، وعقد الاجتماعات العامة، والتحدث مع قادة المجتمع، وبناء الشركات مع المنظمات المحلية والشركات والوكالات الحكومية، وتبذل السفارات جهدًا لتكون مرئية وسهولة الوصول إليها من قبل المجتمع المحلي، ويمكن القيام بذلك من خلال إقامة الفعاليات والمشاركة في المهرجانات المحلية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
إننا بحاجة لفرق محترفة تعمل بداخل السفارات وتفهم لغة البلد بشكل جيد وتبني جسور تواصل وخصوصًا مع المؤثرين من أفراد ومؤسسات؛ وذلك لتقديم المشورة الصحيحة للراغبين في التواصل مع المجتمعات المحلية مثل وزارة السياحة وهيئة الترفيه ووزارة الرياضة وغيرها من الجهات ذات العلاقة، فالسفارات التقليدية باعتقادي غالبًا لم تعد تواكب قطار الرؤية الذي يمضي بسرعة هائلة.
بقي القول، إن السفارات التقليدية قد تكون مناسبة في بعض البلدان الأقل أهمية، لكن في البلدان المؤثرة والمتقدمة والتي يتحدث لغاتها الكثير حول العالم، فإننا بحاجة لسفارة متقدمة ومتطورة ورقمية تساهم في تعزيز الحضور الثقافي والفني والرياضي والفكر السعودي بداخل هذه البلدان، فأنا هنا أتكلم عن محترفين يعرفون الخيط الرفيع بين التدخل في الشؤون الداخلية وبين استخدام القوة الناعمة في التواصل مع المجتمعات المحلية.