لا يمكننا أن نفهم الثقافات الأخرى إذا لم نعرف أنفسنا ونصل إلى مكامن ثقافتنا وأفكارنا، إذ بدون سبر أغوار ثقافتنا لا يمكننا أن نفهم العالم ولا يمكن لهذا العالم الفسيح أن يفهمنا، لذلك فإن الثقافة لا تكمن فقط في اللغة، بل هي عادات وسلوك اجتماعية لأمة من الناس تم التعود عليها وتطورت لفترة طويلة من الزمن.
لقد تبادر إلى ذهني الحديث أعلاه وأنا أقرأ كغيري توقيع وزير الثقافة السعودية مع منصة MBC لإنشاء منصة إعلامية ثقافية والتي ستعكس بلا شك الثقافة الخالدة في أركان المملكة العربية السعودية، فهذه القطعة الذهبية من الأرض نشأت فيها حضارات وثقافات منذ آلاف السنين، وحان الوقت لكتابة وترويج قصة تلك الحضارات والثقافات عالميا، والتي تحكي قصة شعب كان ولا يزال يسكن هذه السعودية.
إننا قبل أن ننشر ثقافتنا إعلاميا علينا أن نفهم جيدا هويتنا الثقافية والتي أرى أن الكثير يعرفها ويفهمها، ولكنها تحتاج إلى فهم جيد حين اختيار القصص المميزة والتي متى ما عرفناها وفهمناها جيدا فإنها ستكون قابلة لترويج إعلامي ذكي وعبر منصة كـ MBC تمتلك الإمكانات المتطورة لصناعة ورواية القصة، إن قصتنا الثقافية الإعلامية تستحق العناء والتعب فهي رواية زادها وهجا الانفتاح الذي تشهده بلادنا اليوم في ظل رؤية المملكة ٢٠٣٠.
إن البعض لديه الكثير من الرؤى، بل والنقد والانتقاد ووجهات نظر تستحق الوقوف عليها حيال أي مشروع ينطلق سواء أكان على مستوى أسرته الصغيرة أم على مستوى الوطن بشكل أكبر، لكن حقيقة نحن نحتاج إلى الانطلاقة الإعلامية الثقافية اليوم، ومع الوقت والتجربة سنكون قادرين على تطوير هذه المنصة الإعلامية لتعكس قصة ثقافية فريدة وثرية عن السعودية للعالم، بل إننا نأمل في مرحلة ما إلى أن تترجم القصص الثقافية إلى لغات حية مثل الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والروسية والصينية وغيرها خصوصا وأن العالم اليوم أصبح قرية صغيرة.
إن المحتوى الإعلامي الثقافي الذي سيتم بناؤه في هذه المنصة سيبدأ من رواية الخبر والتقرير الصحفي المرئي وسيعرج بعد ذلك على القصة القصيرة والمتوسطة والطويلة لثقافتنا، لذلك لابد لمن يصنع البرامج الثقافية الإعلامية أن تكون لديه القدرة على اختيار المحتوى ثم كتابته وفق معايير عالمية ليخرج من القصة المحلية، خاصة وأن الناظر بعين الفاحص في بعض المحتوى الإعلامي الذي نراه مؤخرا يجد أنه موجه للداخل السعودي وذلك لحرص بعض القنوات والأفراد على إبصار المسؤول بما كتبوه ونشروه، وأيضا ربما للحصول على التفاعل مثل الرتويت والتفضيل في منصة إكس (تويتر) سابقا.
إن استخدام منصة ما دون غيرها سيقلل من إيصال قصتنا الثقافية، إذ إنه في إسبانيا -مثلا- يتابع المراهقون منصة التيك توك، فيما يتابع الشباب وحتى سن ٤٥ منصة انستغرام، ومنهم أكبر سنا فإنهم يتابعون منصة الفيس بوك، فيما يكتفي السياسيون باستخدام إكس (تويتر سابقا) لإيصال رسائلهم السياسية، وبالتالي فإن الإسبان وشعوب أمريكا الجنوبية (٦٥٠) مليون إنسان لا يتابعون بشكل كبير تويتر ولا يعرفون منصة سناب شات، وبالتالي فإن استهداف منصة إكس سيجعل قصتنا الثقافية تدور في الفلك العربي الذي هو أصلا وغالبا يعرفها بسبب تشاركه معنا غالبا في الدين واللغة والثقافة.
وإن الناظر بعين البصيرة إلى المحتوى الإعلامي المكتوب والمنشور يدرك أن جودة ذلك المحتوى سيرفع من الوعي الثقافي تجاه السعودية، ويكسر الحواجز ويبني الجسور ويعلم الآخر كيف يحب ثقافة بلدنا، بل إن الأمر سيكون أبعد حيث ستزيد الارتباطات الثقافية من خلال تعرّف ذلك الآخر على قيم وعادات وثقافات بلادنا دون تميز أو أحكام مسبقة وهذا سيؤدي إلى التواصل الفعال بيننا وبينه ومعرفة الآثار الثقافية ويجعل من ذلك التواصل مهارة وقيمة ويخلق ثقافة مؤسسية وشخصية متنوعة وشاملة ويشعر الجميع بالامتنان لهذه الثقافة السعودية الخالدة.
إن الإعلام يحفز على تعزيز الثقافة والحفاظ عليها وتسهيل انتشارها محليا وعالميا باعتبار أن هناك ديناميكية إيجابية دائما ما تنشأ بين الإعلام والثقافة، بل عندما يكون هناك إعلام متقدم فإن الثقافة ستصبح قوة ناعمة تخدم الوطن في تعزيز صورته الذهنية، ما ينعكس ذلك بشكل واضح على قطاعات السياحة ودعم الاقتصاد وزيادة الوظائف، وكذلك هجرة العقول إلى المملكة والاستقرار فيها وذلك يعود في كثير منه إلى قوة الإعلام في ترويج الثقافة.
بقي القول أن أشير إلى إن هذه المنصة الثقافية الإعلامية السعودية ستكون بلا شك لها فائدة وستكون رائدة في تتبع القصص الثقافية واختيار الجيد منها وترويجه بلغات العالم الحية، وكذلك استكشاف ما تزخر به بلادنا من ثقافات بعضها حية وبعضها بادت منذ آلاف السنين، لنصل في نهاية مطاف إلى التأثير على العالم، وتكون ثقافتنا قوة كبيرة في الوصول إلى اقتصاد متنوع وغير معتمد على النفط، بل وستكون إلى جوار العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية ركائز أساسية تحلق بنا نحو أفق يليق بنا وبوطننا الغالي