بيروقراطية الأسماك الصغيرة: قصة حياة معاملة
تشلّ بيروقراطية المكاتب كثيرًا من سير المعاملات اليومية، تلك التي تحتاج لإنجازها الصعود على سلّم هرميّ طويل، لا تصل لمنتصفه حتى تُشَلّ إحدى قدميك من التعب، وإذا ما حملتك قدمك الأخرى لنهاية السلّم، فحتمًا ستصل لهناك بقلبٍ جفّ من الإنهاك!
لم تعد القضية محصورة على كثرة محطات إنجاز المعاملة، فهذه وإن سايرناها تجاوزناها، بل على عطب كثير من تلك المحطات التي من شأنها أن تصلك لمحطتك الأخيرة!
يحدث في مكاتب صغار الموظفين، الذين لم يقبلوا ببساطة وصغر حجم مهمّتهم، فيحاولون تضخيمها بتعطيل المعاملات وتكسير عجلات سيرها حتى يضطر صاحب المعاملة إلى أن يتقرّب إلى الموظّف كما لو كان يتقرّب إلى معبود، حتى يصل إلى القدر الذي يملأ فراغ هذا الموظف الصغير ويشعره بالأهمية التي كان يفقدها، ليفسَح لتلك المعاملة الطريق!
هل تتصور معي بشاعة الأمر؟ كل ما كان عليه سابقًا هو -الفسح- وتمرير المعاملة فقط دون أي مهامٍ أخرى، لكنه يختار أن يرى كل تعابير التوسّل والتودد أولًا ليقرر فتح الباب لها لتذهب لوجهتها الأخرى!
أشبعنا رغبته؟ ملأنا فراغه؟ شعر بأن شأنه كبير ثم مرّر المعاملة للوجهة التالية؟ أحسست بأنك انتهيت أو حتى شارفت على النهاية؟
إحساسك خاطئ ياصديقي، فعليك أن تتحلّى بلياقة عالية منذ البداية، وقدرة تكرار كبيرة؛ لأن ذات الممارسات شبه التعبدية التي صنعتها في الوجهة السابقة، ستحتاج لتكرارها في الوجهة التالية ثم التي تتبعها، وهلمّ جرّا!
ثم إذا وصلت لنهاية الهرم، المكان والشخص الذي تنقضي عنده مسلسل المعاملة الضعيفة، وكونك لدى رأس الهرم، تستعد لتضخيم كل تلك الوسائل التعبدية التي مارستها في المحطات السابقة، لكنك تنصدم فرحا بأنك لا تحتاج لديه أيّ من تلك الممارسات، وتتفاجأ بأن أمر معاملتك ينقضي بسلاسة وسهولة، وتعرف حينها أن كل ذلك المجهود المضني لم يكن مطلوبًا لمعاملة صغيرة، بل كان مطلوبًا لإشباع فراغ وجوع تلك الأسماك الصغيرة!