الجماهير التي لا ترحم

إن مهارة التخاطب الإعلامي الموجه للجماهير، والتي شرحها باستفاضة الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير”، لا تمر من خلال استخدام مؤثر معين لتمرير خدمة، بل عبر إجراءات معقدة لغير المتخصصين، إذ يبدأ التخاطب مع الجمهور المستهدف من خلال مخطط إعلامي يتناسب مع هوية المنظمة البصرية والسمعية، وهذا يتطلب أن يكون لدى العاملين في قطاع الإعلام والإعلان والتسويق رؤية عميقة ومعرفة جيدة بشركتهم وقدرتهم على اختيار المحتوى المناسب والتوقيت الملائم للنشر، إضافة إلى العناصر التي يتطلبها الإعلان.

وعند كتابة النص الإعلامي أو الإعلاني، يجب أن يكون الفريق أكثر إدراكًا للأبعاد الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية، إذ إن كثيرا من كُتّاب المحتوى يفتقد لمعرفة هذه الأبعاد، بسبب قلة اطلاعه ووقوفه على تخصصه وعدم قراءته للقضايا الأخرى ذات الصلة، وبالتالي فهو يكتب من واقع وجهة نظره ومحدودية تفكيره، ثم تقع الكارثة عندما يعتدي على قيم مجتمعات معينة، ما يجعله في مواجهة الجمهور والجماهير التي لا ترحم، حسب ما يقوله الفيلسوف لوبون، وهذا ما شاهدناه في كثير من المحتويات الإعلامية والإعلانية المنشورة مؤخرًا.

ولا شك أن عناصر الإعلام والإعلان متعددة، ومن ذلك الاستعانة بالمؤثرين، إذ تعمل كثير من المؤسسات على استقطاب المشهور طمعًا في الوصول لجمهوره وأرقامه، لكن كثيرين منهم قنابل موقوتة، بسبب ماضيهم السلبي تجاه دولة أو شعب معين، أو بسبب انتهاكهم للكثير من القيم الدينية والاجتماعية، أو بسبب ارتكابهم لأخطاء من أجل الوصول للجمهور، فإذا وصلوا وتمت الاستعانة بهم كشف الجمهور ماضيهم، وتورطت في ذلك الشركة المعلنة، مما يتطلب التروي في اختيار المشهور ومدى مناسبته للإعلان، فالطمع -كما يقال- يضيع ما جمع، وما تبذله الشركات لتعزيز السمعة يضيع بسبب إعلان غير مسؤول.

من العناصر المهمة في نشر المحتوى الإعلامي الإعلاني هو المنصة، فما ينفع نشره في وسائل الإعلان التقليدية مثل التلفزيون والصحافة قد لا يكون مفيدًا في وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة والعكس صحيح، إذ إن اختيار المنصات الإعلامية جزء مهم في الاستراتيجية الإعلانية الفعالة، فمن خلالها يمكن الوصول للجمهور المستهدف، فكما نعلم عند الرغبة في الوصول لجمهور متعدد وواسع فالتلفزيون خيار جيد، لكن عند استهداف مجموعة ديموغرافية أو ذات مزايا معينة، فإن وسائل التواصل مثل تويتر وسناب شات وإنستغرام قد تكون مناسبة، وهذا النشر أيضًا يرتبط ارتباطًا كبيرًا ومهما بتوقيت إرسال الرسالة في الوقت المناسب وإحداث تأثير كبير.

إن الفيلسوف والعالم لوبون له وجهة نظر يؤمن فيها بأحقية الاستماع للجمهور، ومعرفة كيفية التماهي مع هذا الموج البشري؛ إذ يقول: محركو الجماهير من الخطباء لا يتوجهون أبدًا إلى عقلها وإنما إلى عاطفتها، فالخطيب الذي يتبع فكره الخاص وليس فكر المستمعين يفقد بسبب ذلك وحده كل تأثير، ويستطرد لوبون بقوله: في الجماهير نجد أن الأفكار والعواطف والانفعالات والعقائد الإيمانية تمتلك عدوى بنفس قوة وكثافة سلطة الجراثيم". وهذا يقودنا إلى أهمية استعانة الشركات بالمتخصصين بدلا ممن هب ودب، فالثمن غال وسمعة الشركات هو رأس مالها الكبير.

باحث في المحتوى الإعلامي الرقمي – إسبانيا

logo
صحيفة عاجل
ajel.sa