الخدمة الاجتماعية الرقمية كأحدث الممارسات المهنية العالمية الحديثة

نظرة عامة :

للخدمة الاجتماعية تاريخ طويل في العمل مع التكنولوجيا والرقمنة، فالمتابع للتطور التاريخي للخدمة الاجتماعية يجد أنه في فبراير 1970م، ظهرت أول مقالة علمية عُنيت باستجابة الخدمة الاجتماعية للاهتمام بالتكنولوجيا، ومنذ بداية السبعينيات وحتي نهاية القرن العشرين، كانت الخدمة الاجتماعية منشغلة تماماً بكيفية استخدام التكنولوجيا في تدريس وممارسة الخدمة الاجتماعية؛ حيث ظهرت المقالة الأولى فيما يتعلق بأهمية التكنولوجيا في الخدمة الاجتماعية للمؤلف.Fuller  Theron K. والتي نشرت في مجلة  Families in society وقد دعت هذه المقالة إلى إدخال التكنولوجيا والرقمنة في ممارسة الخدمة الاجتماعية، وشددت على ضرورة الإسراع في استخدام الإخصائيين الاجتماعيين في حياتهم المهنية لاتخاذ قرارات فعَالة مع العملاء في رعايتهم الاجتماعية لمنع ازدواجية الخدمات وزيادة عدد الحالات التي يتعامل معها الإخصائي الاجتماعي.

وأصدرت الجمعية القومية للإخصائيين الاجتماعيينNASW بالتعاون مع مجلس تعليم الخدمة الاجتماعية  CSWE بالولايات المتحدة الامريكية في منتصف عام 2017م ما عُرف (بتقرير التكنولوجيا في الخدمة الاجتماعية ) والذي تتطرق لأهمية استخدام مؤسسات الخدمة الاجتماعية بتوظيف التقنيات الرقمية في تعليم وممارسة الخدمة الاجتماعية وأوصي التقرير بضرورة إعداد لمزيد من الدراسات والبحوث العلمية المعنية والمهتمة بتأثير التكنولوجيا المعاصر في تعليم وممارس الخدمة الاجتماعية .

كما أدي التطور الهائل والكبير في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلي تحول جذري في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية؛ حيث ساهم هذا التطور علي تشجيع الممارسين في إعادة التفكير في ممارسة الخدمة الاجتماعية في العصر الرقمي، ومع تزايد اعتماد العالم علي التكنولوجيا ، أصبح التحدي الكبير لمهنة الخدمة الاجتماعية هو كيفية الاستفادة من التقدم التكنولوجي والاستفادة من التقدم الرقمي في مواجهة وعلاج مشكلات العملاء، فمواجهة هذا التحدي يحتاج إلي تقدم خدمات أكثر دقة وتوقيتًا، تلك الخدمات التي سوف يستفيد منها متلقي خدمات الرعاية الاجتماعية من العملاء في تحسين التشخيص والتقدير لمشكلاتهم وزيادة فعالية التدخلات المهنية معهم

مفهوم الخدمة الاجتماعية الرقمية :

هي ذلك النمط من الخدمات العلاجية التي تقدمها الخدمة الاجتماعية للعملاء المستفيدين من خدماتها، وذلك من خلال الاتصال العلاجي عبر الانترنت في العلاقات المهنية أبان مراحل التدخل المهني وتتضمن هذه العلاجات كلاً من "المراسلة الالكترونية " التي تشمل: البريد الالكتروني التقليدي ، أو الرسائل النصية للهاتف الخلوي، أو الرسائل الفورية عبر الكمبيوتر أو الكمبيوتر اللوحي، أو غرفة المحادثات أو من خلال التطبيقات الموجودة عبر الهواتف الذكية والتي صممت خصيصًا لمعالجات المشكلات الفردية للعملاء، وقد يتضمن العلاج الرقمي أيضًا الاستشارات عبر الانترنت وجهًا لوجه من خلال دمج التفاعلات في الوقت الفعلي من خلال منصات تداول الفيديو ، مثل برنامج زوم او سكايب Skype أو التحدث عبر الهاتف ، بالإضافة إلى ذلك ، قد يستخدم العلاج الرقمي مواقع التواصل النفسي الاجتماعي والشبكات الاجتماعية كوسيلة للوصول والتنفيذ . 

أهمية الخدمة الاجتماعية الرقمية :

تتيح الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية الرقمية الفرصة في تقديم الخدمات المهنية إلي المناطق التي لا يتم الحصول فيها علي العلاج بسهولة، او يصعب الاتصال بأخصائي اجتماعي بشكل مباشر خاصة العملاء الذين يعيشون في مناطق ريفية او نائية ، او العملاء الذين منعتهم الوصمة على تلقي خدمات مرتبطة بمرضهم العقلي أو العملاء الذين يتجنبون العلاج المباشر مثل مرضى الإيدز، أو الشباب الذي يواجهون خوف من المقابلة.

تساعد هذه النوعية من الممارسة علي إعادة تشكيل العلاقة المهنية بين الاخصائي الاجتماعي والعميل ودعم التفكير الجيد حول أدوار الاخصائي الاجتماعي في العصر الرقمي .

تساعد هذه النوعية من الممارسة على تفعيل العلاج الجماعي بين العملاء ، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة قوية للاستفادة من الحشد الجماعي في للانخراط في هذه الجهود العلاجية ، كما وفرت المجتمعات الافتراضية ومنصات الشبكات الاجتماعية فرصاً جديدة لإشراك جماعات دعم أوسع وحشد الجهود الجماعية في حل المشكلات.

في العديد من مجالات الممارسة المهنية قد يحتاج العميل إلي البقاء علي قوائم الانتظار فترة طويلة لحين تعيين أخصائي اجتماعي للنظر في مشكلته؛ لكن عن طريق استخدام الاخصائيين الاجتماعيين للبرامج التفاعلية على الكمبيوتر أو شبكات الانترنت أو الممارسة المستندة على تطبيقات الهواتف الذكية اتاحة للعملاء في الحصول علي الخدمات التي يحتاجونها في الوقت الذي يناسبهم . 

أشكال الممارسات المهنية للخدمة الاجتماعية الرقمية:

هناك العديد من أشكال الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية المرتكزة علي التقنيات الرقمية عند التدخل المهني مع العملاء وهذه الأشكال هي ما يلي:

توظيف شبكات التواصل الرقمي في المعالجات الفردية أو الأسرية: وهذا النوع من العاج الرقمي يستهدف توظيف شبكات الانترنت في المقابلات العلاجية ، حيث يقوم الاخصائي الاجتماعي بإجراء المقابلات العلاجية عبر الانترنت أو عبر الهاتف أو عبر البريد الالكتروني، أو استخدام تطبيقات التكنولوجيا الرقمية مثل برامج الدردشة كالواتس آب والتلقرام في اجراء مقابلات جماعية وتحديداً عندما يكون احد افراد الأسرة خارج المنزل لمدة طويلة ، كالزوج أو مبتعث ويرغب في العلاج الاسري في مشاركة هذا العضو ضمن المقابلات العلاجية الاسرية باعتباره نسق مهم من انساق التعامل الاسري ، وهكذا فمع توظيف الخدمة الاجتماعية لهذه الوسائل الرقمية فهناك دائماً فرصة للعلاج بأي وقت وفي أي مكان.

الممارسة المعتمدة علي مجموعات الدعم العلاجي عبر الإنترنت:

 نمط من الممارسة المهنية الرقمية للخدمة الاجتماعية حيث تقدم المساعدات العلاجية للعملاء من خلال المشاركة في مجموعات الدعم عبر الانترنت أو من خلال المدونات الالكترونية، أو الاشتراك في مواقع الانترنت التقويمية النفسية؛ حيث تسمح للعملاء هذه المجموعات في الحصول علي الدعم من أشخاص مشابهين مروا بذات التجربة التي مروا بها، مما يتيح للعميل تجربة التنفيس واكتساب التغذية العكسية لراجعة مع اقرانه عبر مواقع الانترنت التي صممت لذات الغرض.

الممارسة المرتكزة علي تطبيقات الهواتف الذكية :يطلق عليها العلاج التفاعلي الموجه ذاتياً ، حيث يتم إعداد هذه التطبيقات العلاجية من خلال موقع الانترنت، وتتيح للعملاء التفاعل عبر برنامج حاسوبي ذاتي للتوجيه ، وهو برنامج يصمم للمساعدة الذاتية من خلال توظيف آليات العلاج المعرفي السلوكي بشكل رقمي، وتقدم هذه التطبيقات تمارين ومام تفاعلية علاجية للعملاء وتكون هذه التطبيقات مفيدة لسهولة ربها بالهواتف الخلوية.

الممارسة الخاصة بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي : تستخدم هذه النوعية من الممارسة المهنية الرقمية في أوقات الأزمات من خلال تطبيقات الهاتف المحمول لكن يتم توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات في العملية العلاجية لمشكلات العملاء من خلال دمج هذه التقنية مع الهواتف المحولة ومن خلال تحليل المكالمات الهاتفية الواردة من وإلي العميل للكشف علي انماط الاستجابة المثلي للعملاء في الوقف الاشكالي .

نماذج للدراسات الخاصة بالخدمة الاجتماعية الرقمية:

دراسة بوستل Postel,2010 بعنوان " تقويم العلاج الرقمي في الخدمة الاجتماعية في علاج مشكلات إدمان العقاقير المخدرة ، وأوضحت هذه الدراسة أن هناك اكثر من 300 موقع رقمي تعلم علي تقديم خدمات الممارسة المهنية للعملاء وقد ساهمت هذه المواقع الالكترونية في الوصول إلي المناطق التي لا يتم فيها الحصول علي العلاج بسهولة ، أو يصعب علي العملاء الاتصال بأخصائي اجتماعي بكل مباشر، وخاصة بالنسبة للعملاء الذين يعيشون في المناطق النائية او الريفية ، او العملاء الذين بحاجة إلي قيادة السيارة لمسافات بعيدة من اجل تلقي الخدمة العاجية، أو العملاء الذين منعتهم الوصمة عن تلقي خدمات مرتبطة بمرضهم العقلي .

دراسة كل من باراك وغرول Barak & Grohol,2011 بعنوان الاتجاهات الحالية والمستقبلية في التدخلات المهنية للصحة العقلية المنبية علي الانترنت ، حيث أوضحت نتائجها أن نطاق قدرة الاخصائيين الاجتماعيين علي تقديم المساعدة المهنية في مختلف مجالات الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية محدود؛ حيث إن ما يقرب من ثلثي الاشخاص الذين يعانون من اضطرابات صحية نفسية قابلة للتشخيص لا يسعون للعلاج الذي يحتاجونه ، وأنه علي الاخصائيين الاجتماعيين الاستفادة من العلاج باستخدام الرقمنة مثل الهاتف او من خلال البريد الالكتروني ، او عن طريق موقع في جعل هذه المساعدات والتدخلات المهنية العلاجية متاحة لمختلف العملاء.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa