لا يا صديقي التنمُّر غير الحزم
شجعني أحد القراء أن أكتب عن التنمر الوظيفي حلقة ثانية، الذي قال معلقًا على مقالي المنشور في صحيفة «عاجل» مطلع هذا الأسبوع بعنوان (فقط كان صغيرًا وكبر) «إن ما يجري من بعض المديرين من عنف وتسلط هو حزم وليس تنمرا» ؟!
ومن هنا تبدأ صعوبة علاج التنمر الوظيفي من وجهة نظري! فرغم أنه لا توجد عوامل تعزز وجود هذا الوباء في بيئات العمل إلا ما يحمله المتنمِّر نفسه من صفات داخلية؛ نجد أنه أشد تعقيدًا من التنمرات الأخرى التي تغذيها عوامل الانبثاق المعرفي والثورات التقنية والصناعية والعالم الافتراضي.
فيا تُرى ما الذي جعل التنمُّر الوظيفي بهذه القوة رغم محدودية موارده مقارنة بغيره من الظواهر السلبية.. ؟!
لاشك أن تسميتنا الشيء باسمه الحقيقي وتشخيصنا الدقيق له يقلل نسبة الخطورة منه ويسهل علينا تحديد نوعية التعامل، فعلى سبيل المثال لدينا أن أي طالب يدخل إلى الفصل ويصفع زميله الجالس على الكرسي أمام المعلم وأمام الطلاب دون مبرر ثم يجلس وكأن شيئًا لم يكن يعد متنمرًا بلا جدال.
بينما مدير يتحاشى الموظفون مناقشته في شؤون العمل تجنبًا أن يسمعوا منه كلمة تقلل من قدرهم أو خبرتهم أو مكانتهم الوظيفية نجد هناك من يسميه حزمًا!!
وبذلك عاش التنمر الوظيفي في ضبابية الاختلاط مع غيره من السلوكيات في بيئة العمل دون تشخيص، واستمرت الصورة التنمُّرية ملتبسة بالصورة الحازمة زمنًا طويلًا حتى صار التنمر الوظيفي من أقسى الأمراض التي نشعر بألمها ولا نستطيع أن نتوجع منها .
إن مرضًا كهذا يُصنَّف من عوائق النمو الوظيفي الخفي، ولن ندرك حجمه إلا بعد أن تستنسخه البيئات الوظيفية على أنه نموذج من نماذج الحزم، حينها ندفع ثمن العلاج نتيجة ما يخلِّفه من هدر وظيفي وصراعات وخلل في المنظومة الوظيفية الإدارية.
الحزم يا سادة يا كرام، أُتي به ليقضي على الفساد ، والتنمر الوظيفي وجه من وجوه الفساد فلا يمكن ـ يا بُني ـ أن يكون هذا هو ذاك، وربي يحفظك ويرعاك.