الهروب من فوهة البندقية!

لم يعد هناك في ساحتنا وقت كاف يفصل بين التصريح بالفكرة وشيطنة صاحبها، فقد امتلأت الأدراج بأختامٍ وُثِّق بها عشرات المصطلحات التي يشيطن بها القابع خلف تلك الأدراج كل فرد صرّح بفكرة لا تتوافق مع هواه.

تتصارع هذه - الشيطنة - مع مبدأ الإنصاف، وتمنعه من السيادة على آراء الناس، فهي توجّه صاحب الرأي إلى طريقين لا ثالث لهما، فإما أن توافقنا الرأي وتستقيه من حبرنا الملطّخ على أوراق الكتب والصحف، أو أن تخالفنا فتتوسّط فوّهة سلاحنا، لنصنع منك شيطانًا أكبر، تأسّيًا بشعار جورج بوش الابن: "إن لم تكُن معي، فأنت ضدي"!

لسنا وحيدين في هذا القارب، بل إننا زاحمنا العديد من مجتمعات العالم التي يُشيطن أفرادها بعضهم لبعض بين كل لحظة وأخرى، تختلف -شيطنتنا- عنهم بالمفاهيم الأصولية وتتشابه بالمصطلحات المركبة تركيبًا معقّدًا.

هذا التتابع الوصمي يترك لنا خيارين لفهم هذه التركيبة المتتابعة، أولهما أن طبيعة شيطنة المُخالف هي طبيعة خَلقيّة، لا تميّز عرق عن آخر ولا بلد عن بلد، تجدها أينما حللت. ثانيهما أن استيراداتنا الغربية تكاثرت حتى شملت جُل استهلاكات الغرب الفكرية بسوئها قبل حسنها!

هذا التسابق نحو شيطنة المخالف ورسم الصورة المنهجية للفكر الآخر بريشة مهترئة يخلُق لنا لوحة أقرب للقبح منها للجمال، مِمّا تستدعي العديد من الأشخاص للتجرّد من أفكارهم المُختارة أمام الملأ ودفنها بتفاصيلها في ملاجئهم الفكرية، خشية من أن يُنظَر لهم بذات النظرة للرسمة القبيحة المُختَلَقَة، وهروبًا من فوهة البندقية الساخنة!

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa