كلنا خلقنا بذات المشاعر ، على تنوعها، كالخوف والقلق والتسامح والغضب والحب وغيرها ..
مؤخرا ارتبط كل شعور بنمط شخصية كوسم لصاحب الشعور، والحقيقة أننا جميعا لا نخلو من كل أنواع المشاعر بدرجات مختلفة، كل يوم بل في كل موقف، فلا تضاد في كون الشخص هادئ الطباع، لكنه مر بموجة غضب، ولن يغير من حقيقة كونه هادئا؛ كل المشاعر في واقع الأمر تمثل أزرارا دفاعية نحتاجها في مواقف معينة وبجرعات مقننة للتشافي، أي أن لها زوجا- إن صح التعبير- في الاستعمال ما بين (on-of)، فالخوف من النار والأسد مطلب لتحرك تفكيرك نحو أقرب مخرج..
وهذا وعي صحي بشعور الخوف يقودك للأمان، أما من يجمده خوفه ويبقى أسيرا له فيحرم نفسه فرصا عديدة في الحياة فذاك اختار الوجه القاتل للخوف فإن لم يمت فقد عاش ميتا..
كذلك القلق، أذكر فيما مضى عندما أخذت استشارة عند مختص أشكي مشاعر القلق فقال: وأين المشكله؟ واستطرد: القلق دافع للنجاح وتوجيه الأداء نحو الاتقان، طالما أنك تسيرين في خطوات ثابتة للأمام، أما لو أن القلق أدى بك إلى إغلاق الأبواب للبقاء في منطقة الراحة هنا اطلبي المساعدة، تلك المشاعر خلقها الله لسبب، وكلنا كبشر نملك أزرار تشغيلها؛ إما لتفريغ شعور (فقد) عبر مفتاح الحزن، ولو طالت مدة تشغيله وقعنا في فخ الاكتئاب والتسخط على الأقدار..
ومن تلك المشاعر ما يساعدنا لتجاوز خيبة ما، وحماية الذاكرة من ملفات نتنة عبر مفتاح التسامح، لكنك إن غرقت في التسامح فقدت نفسك وعندها عليك طلب السماح من قلبك..
وقد نحتاج شعور الغضب لحماية حياتنا من تجاوزات المعتدين على حدود الآخرين أو حدودنا كأن تُسلب حقوقك أو حقوق آخرين أمامك من خلال السطو على جهودهم أو النيل باستهتار من سمعتهم إلى غير ذلك من صور العبث بالحقوق، فإن لم تغضب حينها فعليك مراجعة مفهوم تقوى القلوب، والغضب لا يعني أن يتجاوز الحد الذي يتطلبه إيصال رسالة الردع للفاعل لا أكثر من ذلك..
ولعلي أذكر هنا موقف نبيك عليه أفضل الصلاة والسلام عندما آذوا صاحبه أبا بكر الصديق ورغم سلطته لم تكن صورة الغضب تتجاوز احمرار وجهه عليه الصلاة والسلام ، وفي ظروف أخرى وعند درجة مختلفة من الغضب يوصينا عليه الصلاة والسلام بقوله (لا تغضب..)..
وكذلك شعور الحب رغم قدسيته إن زاد صار تعلقا، وأترك لك التأمل في الأثر الكارثي لاستهلاك كافة المشاعر بشكل مفرط -في كلا الاتجاهين -على قلبك وعلاقاتك . قال الله تعالى (وخلقنا من كل شيء زوجين) كل شيء تشمل الشعور بجانبيه ذاك الذي تزهر به الحياة وذاك المنزلق الذي يقود لطريق مظلم..
واعتبر هذه الكلمات بمثابة منارة تضيء النجدين وأسأل الله أن يهديك أصلح النجدين لظروفك ولا ترهق نفسك بالتأنيب ومقاومة مشاعر، هي في واقع الأمر خلق من خلق الله وأدوات جعلها في نفسك لتحميك وتطورك لتتغير وتغير وهي سنة الكون..
ولا تجزع إن تصارعت أفكار (التنمية البشرية) مع شعورك فذلك الصراع ضبط وتهذيب لاختبار فاعلية الشعور أيا كان ومدى جدوى إظهاره من كظمه.. فجمال الشعور يكمن في حسن توجيهه، في موقف ما تشعر بانتصار عندما تكظم مشاعرك وفي موقف آخر تشعر بنفس لذة الانتصار لأنك عبرت عن شعورك، ولا أعدك أنك ستفوز بكل المكاسب دائما، لكنني أعدك أنك ستجد لذة السكينة والسلام.
حافظ على ذلك الإنسان البسيط جدا الذي يسعد أياما بابتسامة صادقة، ويرتبك من الخطوة الأولى ويتوتر من الغامضين، العالق في حماقاته القديمة لكنه يحاول الخروج بخطوات متعثرة ويكفيه شرف المحاولة..
لا تنس إنسانيتك وستكون دائما في معية نور الله الذي سيأخذك إلى ظل الشعور الصحيح. أنت على ما يرام طالما أنت بعيد عن شعور الحقد والضغينة، انهض كل صباح بقلب خام بمشاعر حيادية بعيدا عن إجحاف الجحود وتحيز المحب، وستكون الأمور بخير .