سوميديا.. حماية العقول وصناعة المستقبل

تم النشر في

*حماية الأجيال أولا*

إن المعركة الحقيقية اليوم لم تعد معركة حدود وأرض فحسب؛ بل هي معركة على العقول وصياغة وجدان الأجيال القادمة، وحماية الشباب من الذوبان الثقافي لا تتم بالشعارات بل بإيجاد بديل وطني قوي يملأ فراغهم ويخاطبهم باللغة التي يفهمونها لغة الصورة والتقنية، ومن هنا تبرز الحاجة الملحة لإطلاق مشروع سوميديا ليس كمشروع ترفيهي بل كمنظومة استراتيجية شاملة تنتج الدراما والأفلام والمسرحيات والألعاب الإلكترونية والرسوم المتحركة الكرتون وحسابات التواصل الهادفة لتكون درعا يحصن الهوية وينقل الثقافة السعودية للعالم.

*دروس من العالم.. الأنمي وهوليود وبوليوود*

حين نتحدث عن تأثير القوة الناعمة فإن العالم مليء بالشواهد الحية، فاليابان مثلا غزت عقول أطفال العالم ليس بالجيوش بل بالأنمي والرسوم المتحركة التي زرعت القيم اليابانية والاحترام والإصرار في نفوس صغارنا وكبارنا في كل قارة، وكذلك فعلت الهند عبر بوليوود والولايات المتحدة عبر هوليود اللتان نقلتا الثقافة الهندية والأمريكية للعالم، هذه الدول أدركت باكرا أن الإعلام والدراما هما أسرع وسيلة لنقل الحضارة، وهذا ما يجب أن نفعله نحن الآن عبر سوميديا لنصدر ثقافتنا وقيمنا بدلا من أن نكون مجرد مستهلكين لثقافات الغير.

*مواجهة طوفان التفاهة الرقمية*

نعيش اليوم تحديا خطيرا يتمثل في هيمنة مشاهير الفراغ ومنصات التواصل الاجتماعي التي تصدر التفاهة وتقديس السطحية مما أدى إلى تآكل الذوق العام وتشوه مفهوم القدوة، وهنا يأتي دور المشروع الوطني لتقديم البديل النوعي فلا يمكن محاربة المحتوى الهابط بالمنع فقط بل بمزاحمته بمحتوى راق وعالي الجودة سواء عبر مسلسل درامي محبوك أو لعبة إلكترونية تعزز الانتماء أو مسرحية تبني الوعي لإعادة ضبط المعايير بحيث لا يتصدر المشهد إلا من يقدم قيمة حقيقية، وهذا لا يغفل جهود وزارة الإعلام في محاربة شذاذ السوشل ميديا ومشاهير الإفلاس كما أننا لا نغفل جهود شباب الوطن المميزة كمنصة ثمانية وما تقدمه من أعمال على وسائل التواصل نموذج فريد ينافس ويزاحم أكبر الشركات العالمية وهو مثال يحتذى بقدرة الشاب السعودي كمثال للإبداع والنجاح.

*صناعة القدوة.. من الشاشة إلى الواقع*

إن القوة الحقيقية للإنتاج المرئي تكمن في قدرته على صناعة الأبطال في خيال الأجيال، فمشروع سوميديا مدينة إعلامية واستراتيجية وطنية ستعمل على إعادة الاعتبار للقدوات الحقيقية من المبدعين والمبتكرين والموهوبين، فبدلا من أن يقتدي المراهق بمشهور لا يملك إلا هاتفه سيجد أمامه عبر الشاشات نماذج لعلماء سعوديين وقادة فاتحين ورواد أعمال عصاميين وشخصيات كرتونية متحركة بطلة ترتدي الثوب السعودي وتعكس ثقافتنا لتتصدر المشهد بدلا من الشخصيات المستوردة، فالصورة الذهنية للبطل هي التي تحرك سلوك الإنسان وحين نصنع دراما تبرز قيم الشجاعة والكرم والعلم فإننا نزرع هذه القيم في المجتمع تلقائيا.

*ضرورة استراتيجية لا ترف*

لم تعد صناعة الإعلام والدراما والسينما والألعاب ومقاطع السوشل ميديا مجرد كماليات بل تحولت في العرف الاستراتيجي إلى أخطر أدوات الأمن الثقافي، فغياب الإنتاج المحلي القوي يترك الساحة خالية للإنتاج الأجنبي الذي قد يحمل قيما لا تشبهنا، لذا فإن هذا المشروع هو مصنع للوعي ينتج أعمالا تاريخية توثق بطولات التأسيس وأعمالا اجتماعية تعالج مشكلاتنا بحكمة مما يجعل الجيل الجديد فخورا بمرجعيته ومحصنا ضد الأفكار الدخيلة وليس كما نشهده اليوم من بعض العروض والأعمال المحلية التي لا تمثل الوطن وإنما هي نسخ مشوهة تقلد الشخصيات الغربية وتستهدف هدم القيم الوطنية المستهدفة.

*القرار للمستقبل*

إن سوميديا ليس مجرد حلم فني بل هو استحقاق وطني لمرحلة تتطلب أن نكون فاعلين في صناعة المشهد العالمي، هو مشروع لاستعادة دفة التأثير ولحماية أبنائنا من التشتت ولتقديم صورة المملكة الحقيقية المشرقة، إنه باختصار مشروع لصناعة ذاكرة الوطن وحماية مستقبل الأجيال في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء في حضورهم وتأثيرهم وإعلامهم.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa