ثوابت ومتغيرات- الشنب
لطالما كان التغيير من سنن الحياة. ابتداء من تعاقب الليل والنهار، وتقلب الفصول، وتتابع مراحل العمر المختلفة. وما ينطبق على الفرد؛ ينطبق على الجماعة، والمنظمات. إلا أن هناك ثوابت يجب ألا تكون ضمن نطاق التغيير.
من أكثر ما يصعب تغييره الثقافة السائدة على صعيد المجتمع، وبالتالي على مستوى الفرد؛ لأنه- وإن أراد التغيير- فهو محكوم بالمجتمع. هنالك نسبة قليلة- تمّ تقديرها بين 2% و 7%- لا تتأثر بسهولة بالمجتمع. رغم ذلك يبقى تأثير الموجة العظمى يمنع كل من حاول السباحة عكس التيار، إلا بالتعب والجهد والخطر.
قبل أكثر من 20 عامًا رأيت شخصًا مكبَلًا بالسلاسل في إحدى الشُرَط، بسبب طعنه للحلاق- الذي لم يَفهم طلبَ زبونه- حول درجة التخفيف من كثافة رجولته، عفوا شاربه. على إثر ذلك الانتقاص من الرجولة والمساس بالشنب؛ قام الجاني بطعن الحلاق بذات المقص في رقبته. أذكر أن الضابط سأله بما معناه: هل تعي ما فعلت؟ وماذا ينتظرك؟ لتكون الإجابة الصادمة: «يستاهل يموت، هذا شنبي». لا أود الآن البحث حول تلك الثقافة، ولا كون حفه من الفطرة كما أخبر صلى الله عليه وسلم، بل أحاول التحليق حول مقاييسنا للثوابت، والمتغيرات.
لم أكن في يوم من الأيام أعتقد بأنني سأقوم بتخفيف شاربي لما هو عليه الآن. فذلك سيكون تنازلنا عن جزء كبير من رجولتي- حسب فهمي حينها- وسمعت عمّن يقوم بجمع قصاصات تلك الشعرات حين الحلاقة، ليقوم بإحراقها إكراما لها بدلًا من أن تداس بأقدام مرتادي الصالون.
فكرت في تخفيف شاربي لمدة طويلة قاربت 5 سنوات، وبدأتُ بالتدرج في ذلك. وبعد أن قمت بتخفيفه بدرجة كبيرة تفاجأ ابني، بل ذُهل، ورُبط لسانه. تساءلت: كيف بأبي! ألستُ المسؤول عن أغلب ما يدور في رأس ابني؟ الثقافة تحتاج الكثير من الوقت للبناء، والأقل للهدم، أو التغيير. كثير من الأشياء الظاهرية تشبه الطفح الجلدي الذي ينبئ عن تغييرات داخلية. والطبيب يبحث عن المسبب لا النتيجة، فيعالجها فتُعالج النتيجة كنتيجة. وليس بالضرورة أن يُفهم أن كل تغيير يُعد مشكلة، بل أن يُفهم أن لكل ظاهر سبب أعمق.
راقب تلك التغيرات الظاهرية؛ لتبحث عن الجذور، فتُثَبِّتَ الإيجابي، وتزيلَ السلبي منها. وأهم ما في الموضوع، أن تعرف: ماذا يُعد من الثوابت وماذا يُعد من المتغيرات؟