وداع كثير بعد الأربعين

نكبر ونودع الكثيرين، كبارًا كانوا أو صغارًا .. نودع كبيراً يموت، ألفنا وجوده بيننا واعتدنا على التحدث معه، بل ألفنا الحياة معه. نودع أبًا عِشْنا في كنفه، أو أستاذاً تربينا على يده، أو زميلًا تعلمنا منه وعاشرناه، أو قريباً نفرح عند لقائه وزيارته، أو جارًا لا ننسى وقفاته. غادرونا لكبر سنهم أو بسبب مرض ألم بهم، غادرونا تاركين خلفهم فراغاً ومكانا لا يمكن إشغاله، نقف أمام هذا الفراغ حزانى لا نملك إلا أن نقول: رحمكم الله.

ونودع صغاراً كنا لهم الجمال والخيل، يصعدون على ظهورنا وضحكاتهم تملأ البيت، كانوا معنا كل لحظة والآن نبحث عن لحظة نراهم فيها. لقد انطلقوا إلى تحصيل العلم أو دخلوا إلى مضمار العمل والكفاح، أو غابوا عنا بزواج مبارك هو مطمح كل ابن و بنت. مشاعرنا حينها تجمع بين السعادة بهم والحزن لغيابهم. فرحة تجاه بداية مهمة في حياتهم، ودموع نذرفها لوداعهم، فالطفل الذي ظل ملتصقا بك على مدى سنوات باتت بينك وبينه مدن أو ربما دول وبحار واسعة.

ونودع أناساً انتهت فترة وجودهم بيننا. خادمة كانت بمثابة فرد من أفراد الأسرة، وسائق تجاوز دوره مهمة النقل و(المشاوير) إلى التربية والاهتمام بالأبناء والبنات، وزميل وجد فرصة أفضل في موقع آخر أو مدينة أخرى، أو عامل في مقر العمل أو آخر كان يعمل في بقالة الحي، أو حلاق كان يراسلك بين حين وحين.

بعد الأربعين تتزايد وتيرة الوداعات .. نودع أناساً عرفناهم وعرفونا ونستقبل أناساً لا نعرفهم ولا يعرفوننا، فرحماك يا رب بقلب أنت خالقه من وداع يجعل دمع العين ينهمر، ومن حزن يستوطن الأفئدة ويستولي على النفوس المرهفة المشفقة.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa