الإعلام والسيكولوجية النفسية لسكان الرياض

تم النشر في

في كل مرة أزور مدينة الرياض أجد مدينة متجددة، وشوارع متحضرة، مبان حديثة، وخدمات مختلفة تجعلني أغوص في تفاصيل الرياض الغض الطرية، وفي المقابل عندما أقابل البعض أجددهم يتأففون من الزحمة فيها وينسون التفاصيل الأخرى المدهشة، على اعتبار أن مدريد وباريس ولندن وواشنطن عواصم لا يوجد بها ازدحام !! وهذا غير صحيح، فالعواصم هي حالة الازدحام بسبب تقاطع السياسة بالاقتصاد والاجتماع والرياضة والفن بالثقافة، وهذا يدعو إلى إيجاد استراتيجيات فاعلية لتعزيز السيكولوجية النفسية لسكان العاصمة للاستمتاع بتفاصيلها المدهشة.

ولرفع الحالة النفسية لسكان العواصم فإن الإعلام يلعب دورا فاعلا في ذلك، ولكن المشاهد -حاليا- يرى أن الإعلام ينشط عندما تكون هناك فعاليات كبرى وهذا يجعل السكان يتجهون جميعهم له فيعلقون في الازدحام البشري والمروري ويزيد من الحالة السلبية للبعض. ولذلك فإن هذا الإعلام يستطيع توزيع السكان وفق الأنشطة الكبرى والمتوسطة والصغرى وهو ما تحتاجه الرياض، بالإضافة إلى وجود عناصر معززة مثل المطاعم والمقاهي وأماكن التسوق، مما يعطي الإعلام فرصة رائعة لتعزيز السيكولوجية النفسية لساكن العاصمة.

وهناك عواصم عالمية لها تجارب خاضتها في سياق استخدام الإعلام لتعزيز الصحة النفسية للسكان مثل العاصمة الإسبانية مدريد. إن تحسين جودة الحياة في العاصمة تحتاج إلى دفع الساكن إلى تعزيز مشاعره الإيجابية من خلال استخدام عناصر وتقنيات إعلامية تلهمه لتأمل الجوانب الجميلة للمكان الذي يسكنه ويجعله يستمتع به.

من العناصر المهمة في ذلك، هي إنتاج محتوى مهلم ومبهج يتعلق بتسليط الضوء على قصص النجاح المحلية، وإنتاج فيديوهات قصيرة مبهجة تظهر مشاهد من حياة المدينة، بالإضافة لموسيقى أو أصوات في الأماكن العامة والخاصة. أيضا من العناصر صناعة برامج ترفيهية تفاعلية يمكن المشاركة بها عبر المنصات الرقمية، ومشاريع إعلامية تبرز الجوانب الإيجابية للمدينة مثل الوثائقيات القصيرة والحملات الاجتماعية مثل "شكرا لجارك" و "الابتسامة".

من العناصر أيضا دمج الإعلام في الأنشطة اليومية من خلال توجيه محتوى عبر الإعلانات الرقمية في الأماكن العامة مبهجة، وتوجيه الإذاعات لإنتاج محتوى ملهم أو موسيقى خفيفة تجعل الفرد يستمتع بوقته، حتى لو كان في الازدحام. أيضا استخدام الإعلام لتعزيز الأنشطة المجتمعية مثل الترويج للفعاليات والأحداث لاستكشاف معالم المدينة.

وتعمل بعض العواصم على إشراك الجمهور من خلال دعوتهم للمشاركة بمقطع فيديو أو صور تعكس لحظات إيجابية من يومهم، بالإضافة لإطلاق تحديات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تشجع على المشاركة من خلال تجارب يومية مبهجة. وهذه مجرد أفكار بسيطة لكنها تبرز الحس الجمالي والشاعري للعاصمة وتدعو الناس للاستمتاع باللحظات المميزة بدلا من نشر الطاقة السلبية بسبب عامل الازدحام مثلا.

بقي القول، الرياض هي فتاة غض طرية، وصفها القصيبي بقوله " ما أرق الرياض"، لذلك تستحق هذه العاصمة العربية المشعة بالنور والجمال عملا إعلاميا ومحتوى رقمي يسهم في تحسين الحالة النفسية للسكان ومساعدتهم في صناعة برامجهم والتكيف مع المتغيرات والأحداث اليومية.

باحث دكتوراه في الإعلامي الرقمي بجامعة كمبلوتنسي مدريد - إسبانيا

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa