خديعة العقل البشري

تم النشر في

منذ أن أوصى سقراط بمعرفة النفس، وحتى حين أعلن نيتشه بصوتٍ هائج عن موت الإله، لم نصل -ولو لمرةٍ واحدة- إلى عتبة الإدراك الحقيقي لذواتنا، وإن بكى بعضهم على فقد الإله، فلعلّ ذلك كان لاشتياقهم للكبش الذي يُسقط عليه جهالاتهم، لا حزنا على غيابه!

حين كتب الوردي كتاب -مهزلة العقل البشري-، لم يكن ينحت أطروحة مبتكرة، بل كان يزيح ستارًا يغطي مسرحًا أبطاله من الفلاسفة والمصلحين، ورجال الدين، يدّعون امتلاك الحقيقة بينما يتقاذفون المنطق كما لو كانت كُرَة في مباراة بين شكوكية ديكارت ودوغمائية كانط!

كان هيجل يُبشّرنا بأن صراع الأضداد هو محرّك التاريخ نحو الروح المطلقة، إلا أن التاريخ قد كشف بأن الضدّ الأكبر للإنسان، كان دومًا الإنسان نفسه! لا نزال نركض خلف الحقيقة، بينما نغلق أعيننا عليها كلّما اقتربت، فنحن نهوى الإيمان، لأنه يُرِيح، بينما نخشى التفكير، لأنه يُقَلِّب! وكأن العقل كما وصفه نيتشه ليس سوى أداة في قبضة "إرادة" خفيّة، إرادة البقاء، أو السلطة، أو الهروب، أو الغباء إن شئت!

كان أفلاطون يحلم بأن يتربع الحكماء على عروش الأمم، لكن الواقع اختار أن يُسلّم مفاتيح المستقبل لباعة الأحلام، ومدغدغي العواطف، ومنصّصي الخطابات المزخرفة، ليصبح العقل مجرد تصويت شعبي على أجمل كذبة!

أخيرا، يبدو أن أعظم نكتة كتبها هذا الكون، لم تكن في هيئة مهرج، بل في هيئة مفكّر يحترف التبرير، يمضي حياته بين بحثٍ عن الحكمة، وهروبٍ منها كلما اقتربت!

إنها مأساة تُعرض على مسرح مائل، كُتبت حواراتها بالمنطق، وأُخرجت بالهوى، وكان أبطالها نحن.. وضحاياها أيضًا!

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa