العقل أم غير ذلك؟
تتفوَّق الكثير من الحيوانات على الإنسان في جانب القوة البدنية، ورغم ذلك لم نجد لها- أي الحيوانات- من الأثر ما للإنسان في تطويع الطبيعة، كشقّ الجبال، وبناء الجسور، والتسابق نحو الفضاء.
بل إنَّ الإنسان- عبر التاريخ- سخّر قوة الحيوان لخدمته ولراحته، فحرث الأرض وأثارها بتطويع الثور، وحملَ الحمار أمتعته بدلًا عنه، واستفاد من مزايا الجمل لقطع الصحاري.
ومن الأشياء الداعية للتفكر؛ أنَّ الإنسان يقيس قوة اختراعاته المختلفة بوِحدةٍ أسماها حصان، وهي قوة تفوق قوته، السر هو ما أوْدَعه الله في الإنسان من قوة العقل، لا القوة البدنية، وبذلك العقل يستطيع أن يكون أقوى من أي مخلوق آخر، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.
على الطرف الآخر من النظرية أقول: أعرف رجلًا أفنَى حياته يعمل كمشغِّل لإحدى المعادات الثقيلة، وكانت تُوكل له مهام فتح الخطوط الأشد وُعورةً في المنطقة الجنوبية، أذكر كم كان مشغولًا، ولم يكن يُناقَش في سعر الساعة، بسبب أنَّ جدول أعماله عادة مشغول لأشهر قادمة، بعد سن التقاعد، تفاجأت بمستوى معيشته المتواضع جدًا؛ فالجزء الأعظم من المبلغ كان من نصيب صاحب المعدة لا للعامل! السؤال أليس الإنسان هو المحرك لتلك الآلة؟!
شخصيًا، كنتُ أشارك في سباقات الخيل، وساعدني وزني على ركوب الأبطال منها، الجدير بالذْكر أنَّ الـمَبالغ التي كنتُ أحصل عليها لم تكن مجزية- حتى في حالة إحراز مراكز متقدمة- رغم المخاطر التي كنت أتعرَّض لها بشكل مستمر، أليس الإنسان هو المحرك لذلك الحيوان؟!
الجواب: ليس المحرِّك هو الفيصل في المسألةّ، إذًا هل هو نوع الإسهام أو مداه؟ فبرغم كون عمّال مناجم الألماس يستخرجون أغلى الأحجار، إلا أنَّ مرتباتهم من أقل المرتبات على مستوى العالم، ولا يتحمل صاحب العمل أي مصاريف لعلاج العامل، بالرغم من ارتفاع مخاطر الإصابة المهنية جراء الانهيارات، وانتشار أمراض الجهاز التنفسي بينهم، هذا من ناحية نوع الإسهام.
أمَّا من ناحية مدى الإسهام، فإسهام الخيّال أو كما يُسمى «الجوكي» لا يمثل النسبة الأكبر في معادلة السِباق، بل إن الفيصل هو أداء الحصان.
الآن تأمَّل معي المرتبات الضخمة للمستشارين القانونيين، والمخصصات والنسب التي يحدِّدها المحامي قبل فتح ملف أي قضية، لتعرف أن العقل- بالأصح ما يحويه- هو ما يُرجّح الكفة في أي معادلة.
ولكن هل لي بالسؤال التالي: أليست مرتبات لاعبي كرة القدم أو السلة أعلى منها للمحامين والمستشارين؟ رغم كون مجهود الأخيرين ذهني بحت؟ لماذا؟ نعم، لا يزال العقل هو صاحب الوزن الأعلى في المعادلة، ولكن يجب عليك إدراك نقطة في غاية الأهمية.
متى ما كان الشخص هو المحور في الأداء، والمدى في التميز، وصاحب الإسهام الحقيقي في عمل- أي الـمُعول عليه؛ كانت قيمته أعلى. الآن لنعُد للأمثلة السابقة لنقيس صحة النظرية.
حرث المزرعة- رغم كون المزارع هو من يقوم بتقسيم المزرعة، ووضع خطة عمل وإدارة قوى العاملة؛ غير أنَّ الحرث هو العملية الرئيسية، كذلك في مشغل المعدة، ومع الخيّال وعامل المنجم أيضًا، ولكنَّه يختلف تمامًا مع المستشار القانوني ولاعب الكرة.
لذلك ركّز على ما تكون أنت فيه محور ومدى وصاحب الإسهام الحقيقي لتَرْفَع من قيمتك، فذلك مكمنُ القوة في معادلتك الخاصة.