العشاء الذي جمعني بأفلاطون والفيل والعميان التسعة!
نسج أفلاطون أمثولته الشهيرة عن ستة عميان سمعوا بأن هناك فيلًا سيؤتى به لأحد احتفالات بلدتهم، فطلبوا من حاكم بلدتهم السماح لهم بتلمّس هذا الفيل واستشعار ضخامته التي سمعوها عنه.
وفعلًا، في يوم الحفل، وقَف العميان الستّة أمام الفيل ولمس كل واحدٍ منهم الجزء المجاور له، وبدؤوا وصفه، ليقول الأول أنه كالثعبان المتين، ويسخر الثاني من الأول ويقول بأنه ليس سوى خنجر حاد، بينما الثالث يشبّهه بسجّاد من جلد، أما الرابع فهو يجزم بأنه جدار كبير، مرورًا بالخامس الذي يزعم أنه جذع شجرة راسخ، وصولًا للسادس الذي كان يضحك من أوصاف شركائه، ويؤكد لهم بأنه لا يعدو عن كونه حبل طويل!
تعالَت أصوات الضحك الساخر من الحضور، ليوقفهم الحاكم ويؤكد بأن كل واحدٍ منهم صادق بالوصف الذي وصف به الفيل، فالأوّل لمس خرطوم الفيل فشبّهه بالثعبان، والثاني لمس ناب الفيل فظنّ أنه خنجر، والثالث تحسَّسَ أذن الفيل، والرابع كانت يده على جسَد الفيل وظهره، والخامس وضع أصابعه على قدم الفيل، بينما الأخير كان محكمًا قبضته على ذيل الفيل، فأصاب كل واحد الحقيقة التي تمثّلت لديه، إنما جُزء الحقيقة ليس الحقيقة الكاملة!
لو شاركني أفلاطون على عشاءٍ باكِر، لألقيت الملامة عليه في نسيانه عن نسج أمثولة أخرى عن الفيل والمبصِرين الثلاثة، هؤلاء الذين يرون الحقيقة بأعينهم المجرّدة، ويلمسونها وتحدّثهم بلسانها، فيصفونها بغير وصفها، بل بنقيضه!
منهم مَن يرى ويلمس ذيل الفيل ويصفه بأنه وردة متدلدلة، والآخر يُعاين قدم الفيل ويصفها بساق الفراشة، بينما الثالث الذي تحسس حرشفة خرطوم الفيل وظلام فجوته، ووصفه بالحرير الساطع بياضًا!
هل تبدو قطرات حليب الفيل مهرًا مغريًا لهؤلاء لبيع الحقيقة؟ أم أن ضخامة الفيل تبث الذعر في قلوبهم وتقودهم لتزييف الواقع؟
عذرًا للعميان الستة، فما وصفتموه كان حقيقيًا دقيقًا أمام وصف المُستبصِرون الثلاثة، وينوبنا أبو العتاهية اعتذارًا ليقول:
سُبحان من لا شيء يعدله
كم من بصيرٍ قلبُهُ أعمى
والحقُّ أبلَج لا خفاء به
مُذ كان يُبصِر نورَه الأعمى
Twitter: @A_ALSWEED