أنا مرتاح.. إذًا أنا موجود

البعض يعشق أن يكون مرتاحًا ويزعم أنه موجود؛ لكن في حقيقة الأمر هو موجود جسدًا وغائبًا عن التطور والتقدم، فيفوته قطار الترقيات والإنجاز في العمل، وتصبح خبراته مكررة، وحضوره غير مهم، وإنجازاته لا تذكر، والسبب هو وجوده فعليًا في "منطقة الراحة" التي تدفعه مخاوفه فيها للبقاء بشكل أطول فيصبح أسيرا للتذمر والتشكي، ويتقدم غيره وهو يتقادم في مكانه حتى يذهب للتقاعد.

إن منطقة الراحة حيث يتعود الإنسان فيها على الروتين اليومي الممل، ويعشق فيها الهدوء وعدم خوض الجديد في عالم الأعمال، ويصبح أسيرًا لمهام عملية روتينية يومية يحفظها عن ظهر قلب، وذلك خوفًا من الخسارة والتعب وعدم الرغبة في تغيير المكان الذي ألفه، والأشخاص الذين عرفهم، ويعتقد في حقيقة الأمر أنه منجز ويستحق التقدير، بينما هو باق في مكانه، عالة على وظيفته، وعند قدوم أي موظف جديد أو مبدع فإنه يفقد مكانته وبريقه.

لذا فإن من أهم الأمور المؤدية إلى التطور المهني والارتقاء بمستوى الاحترافية هو الرغبة والقابلية للتغيُّر وتبني عقلية لديها القابلية للتكيف مع المستجدات، وكل هذا يعني أنه لابد من الخروج من "منطقة الراحة" وعدم الاستكانة إلى ذلك لا سيما أن منطقة الراحة تعني عدم التقدم وعدم التطور.

إن "منطقة الراحة" هو مصطلح يدل على حالة نفسية يعيشها الفرد بسبب اعتياده على ممارسات روتينية ينتج عنها شعور بالأمان، مما يجعل التغير والخروج عن هذه المنطقة من الأمور المخيفة والمقلقة وهذا يحد في الغالب من القدرة على الإبداع والتميز. وزيادة على هذا فإنها تخلق مقاومة للتغير وتبني الآراء الجديدة التي قد تصبّ في مصلحة الفرد أو المنشأة، وإن من أسوأ ما يمكن هو أن يكون المهني في منطقة الراحة فيعتاد على طريقة معينة لسير العمل قد لا تكون بالكفاءة المطلوبة.

ومن أشد الأمور التي يعانيها الشخص الذي يدعو للتغير ويطرح أفكارا جديدة للتحسين من جودة العمل ممانعة الغير التي تنبع- في الغالب- من حبهم في البقاء في منطقة الراحة وخوفا من غير المألوف التي قد لا تكون نتيجته واضحة، فتراهم يفترضون الكثير من المشاكل التي قد تطرأ على هذه الفكرة الجديدة فيقتلونها في مهدها؛ ولكن عندما تثبت هذه الفكرة نجاحها في الواقع بعد فترة من الزمن يبدأ الناس في تبنيها.

فمثلًا، على الرغم من أن التقنية أثبتت كفاءتها وقدرتها على تحسين سير العمل، من خلال تبني أنظمة تقنية (مؤتمتة) تختصر الكثير من الجهد والوقت على المهنيين من أصحاب الشركات والمكاتب وغيرهم إلا أنهم قاوموا هذا الأمر ولم يلقوا له بالا ولكن بعد أن ظهرت وشاعت بين الناس تطبيقات للأتمتة وظهر مدى نجاحها بدأوا بتبنيها.

أخيرا، إن منطقة الراحة قد تكون مفيدة على المدى القريب؛ ولكن الشخص الذي يألفها فإنها تمنعه من التطور والتقدم ويبقى في مكانه ويفوته قطار الابتكار ومعرفة الجديد في عالم الأعمال، بل إن البقاء في هذه المنطقة يجعل صاحبها بعيدا عن المبدعين والمبتكرين في عالم الريادة، والآية الكريمة تلخص هذه المقالة: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، صدق الله العظيم.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa