عائشة ومشاعر الأسى على رحيل يونس السروري

عائشة ومشاعر الأسى على رحيل يونس السروري

تم النشر في

لم تقف الطفلة عائشة نواف السروري ذات التسع سنوات لتُشاهد فقط الموقف الحزين لرحيل الأستاذ يونس مهدي السروري عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بجازان الأسبق عم والدها الذي فارق الحياة الدنيا يوم الأربعاء ١٢ رجب ١٤٤٢ للهجرة.

بل قدّمت -في موقف إنساني نبيل- العزاء والمواساة إلى الأستاذ عبدالحفيظ مهدي السروري شقيق المتوفى، وإلى مهدي أكبر أبناء الفقيد وعيناها تَذرف الدموع بغزارة، بعد أن وجدت نفسها منغمسة في وجع الرحيل الأبدي، معلنةً مشاعر ودها للراحل المربي الفاضل الحاني في تعامله واللطيف في حديثه معها ومع الآخرين، مستذكرةً بشاشة وجههِ وجميل كلماته ونقاء قلبه وصفاء نفسه ومداعبته لها أثناء زياراتها المتكررة له قبل مرضه وأثناء معاناته مع المرض، بعد أن خالجها الأسى وطوقها الألم وتجرعت مرارة الفَقد على رحيل صاحب الابتسامة المضيئة والقلب العامر بحب الخير، والحضن الدافئ  للجميع، الذي استطاع أن يستميل عواطف الناس ويحظى بمكانة كبيرة من الحب والتقدير لدى الآخرين.

وقفت عائشة ببراءتها تشاهد بتأمل صور الفقيد التي كان يتصفحها ابنه مهدي في جهاز جواله، مطالبةً بمزيد من تلك الصور لتعيش بقايا من ذكرياته في كل صورة.

أتت إلى والدها الموجود في المكان المخصص للرجال بمنزل الفقيد بمدينة جدة تمشي بخُطى مثقلة وتحدثت إليه بنبرة حزينة وملامح الهم والكدر ترتسم على وجهها الذي يحمل براءة الطفولة لتذكر له مُعايشتَها لتفاصيل الحزن العميق حينما كانت في مجلس النساء الذي كانت فيه  قريبات الفقيد يجهشن بالبكاء وأنين الألم يُسمع في أصواتهن وبريق الأسى يلمع في أعينهن، وآهات الحزن تدوي في المكان، وقلوبهن تتكسر من هول الفاجعة.

كانت عائشة تريد من يرفع من معنوياتها لتستقوي على هذا الموقف المؤلم فلم تجد ذلك فالكل لم يتحمل تلك الصدمة النفسية.

كُنتُ أُصغي إليها وهي تحكي لوالدها الوضع الحزين الذي تعيشه بنات الفقيد تريد أن تتغلب على الموقف الأليم تريد أن تتجاوز الظرف الصعب فلم تستطع.

إن هذه المشاركة الوجدانية لهذه الطفلة تُمثل البُعد الإنساني الذي يسكن أعماقها فهي طفلة صغيرة العمر وكبيرة القلب وصادقة الشعور الوجداني لرجل يستحق هذه المشاعر الغزيرة المليئة بالود والوفاء والاعتزاز، بعد أن زرعَ محبته في قلوب الناس.

فما قامت به هذه الطفلة من فيض هذه المشاعر الطيبة هو إدراكٌ منها لأهمية الأثر الإيجابي والمردود الطيب لمواساتها هذه في رجل عظيم، وأيضاً هو شعور كل الذين عاشروا وعايشوا وصادقوا وزاملوا الفقيد.

حينما تحمل الأجساد الصغيرة ذات العُمر الصغير مشاعرَ الحزنِ الكبير،

هنا الحكمة،

هنا القدوة الحسنة،

هنا قمة العطاء الإنساني،

هنا النفس الجميلة،

هنا القيم النبيلة،

هنا الخصال الحميدة،

لقد استشعرت عائشة أبعاد وعمق هذا الحدث الموجع الذي يعيشه أقرباء ومحبو الراحل الرجل الخلوق والذي ترك جرحاً غائراً في نفوس الجميع بموته.

الكل -كِبار وصِغار- تألموا لموت الأستاذ يونس السروري..

التقي النقي والأمين الصادق صاحب الخُلق الحسن،

فارق الحياة الدنيا ولم تفارق محبته قلوب الناس،

فالجميع يذكره بالخير،

سيل جارف من الثناء العاطر والقول الجميل والذكر الطيب عن الفقيد من قبل طلابه وزملائه وأصدقائه وكافة أفراد المجتمع،

مات ولم يمت ذكره الحسن بين الناس.

غادر الحياة الدنيا بعد أن بنى لنفسه قصراً شامخاً من العمل الطيب والقول الصالح.

فقد الوطن مواطناً صالحاً وفياً ومخلصاً لوطنه،

فقد الوطن معلمًا فاضلًا ومربيًا قديرًا،

قدم العطاء المميز في التعليم لخدمة وطنه الغالي،

فتخرج على يديه عديد من المعلمين،

من خلال عمله معلماً بمعهد إعداد المعلمين في جازان ثم عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين في أبها ثم في جازان،

حتى المسجد سيفتقد هذا الرجل المبادر إلى الصلوات  قبل الأذان،

المتعلق قلبه بالمساجد.

مات الرجل الورع الزاهد،

صاحب السيرة الحسنة الذي يتسابق الجميع للالتقاء به وسماع حديثه الشائق.

صاحب العقل المتزن والفكر الصائب،

المتواضع وطيب المعشر.

مات يونس السروري بعد أن ترك أثراً طيباً في تاريخ مجتمعه.

ندعو الله تعالى أن يتغمد عمي بواسع رحمته وغفرانه ويسكنه فسيح جناته...

إنا لله وإنا إليه راجعون.

logo
صحيفة عاجل
ajel.sa