هل كان الحج آمنا؟

قد اعتدنا عند قرب الحجّ سماع هتافات تافهات وبيانات عن الخير بائنات فمرة بتدويل الحجّ ومرة بتبديله ومرة بتخويف الحاج ومرة بترهيبه، وكل ذلك حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحقّ.

وكثيرا ما يخرج هذا النتن من فئة فاسدة تحمل فكرًا خبيثا وتُبطن خطرًا عظيمًا.

ولا ريب أنّ من يؤلّب على الدولة القائمة بالحجّ ويسلط عليها كلابه ويحاول أن يسقط هيبة الدولة فإنّه في الحقيقة ممن يسعى في إفساد الحجّ وتعريض الحجّاج للخطر فإنّه لا يستقيم الأمن للحاج مع دولة لا يقام لها وزن أو مهابة !!.

وسؤالي لمن ألّبوا وبلبلوا ومن هللوا وكابروا:

هل وقفوا على تاريخ الأمن للحجيج من مئات السنين؟

فهل كان الحجّ آمنا؟

قد لا يدرك كثير من الناس أنه في عام 317هـ أفتى كثير من العلماء ببطلان الحج لمن يحجّ !

لم يا ترى !؟.

لأن القرامطة آذوا عباد الله وعاثوا قتلًا وسلبًا فأفتى العلماء بذلك حماية للأنفس والأعراض !

وقد أقام القرامطة بمكة أحد عشر يومًا وقد بقيت حول الكعبة أكثر من ثلاث مائة جثة مقتولة ممدودة لا يستطيع أحد حتى غسلها وتكفينها.

وقد لا يدرك البعض أيضًا أنّ ابن رشد وغيره من العلماء قد أفتوا بسقوط الحجّ عن أهل الأندلس، واستمرت فتوى ابن رشد قرابة الثمانين عاما، وذلك لأن الحج والطريق للحج غير آمن من قطاع الطرق في البر والبحر وقد وافقه في إسقاط الحج عن أهل الأندلس ابن حميدين واللخمي.

وأمّا الطُرطوشي فأفتى بأن الحج حرام على أهل المغرب!

وقصة مُصاب المغرب والأندلس بالحجّ معلومة مشهورة.

وقد لا يدرك البعض أنّ أبا بكر الرازي قد أفتى بسقوط الحج عن أهل بغداد!

وفي موسم الحج سنة 618هـ كما أورد بن الجزري أنّه لم يحج أحدٌ من بلاد الأعاجم ولا من همَذان ولا من أصبهان، لخوف الطريق من انتشار المعتدين في البلاد !.

وطوال الأعوام من 615 هجري وحتى 628 هجري كان ملايين الناس في تلك المناطق لا يستطيعون الحجّ.

وأما الإمام ابن كثير فأخبر بأنه "لم يحجّ الناس بعد هذه السنة 628 هجري أيضًا لكثرة الحروب، والخوف من التتار والفرنج"!

ولما بدأت هجمات التتار على العراق مُنع العراقيون من الخروج للحج فلم يحج ركب العراق في هذه السنين للانشغال والاهتمام بأمر التتار كما ذكر ذلك الإمام الذهبي رحمه الله.

ويقول المقريزي في كتابه "السلوك": أنه في عام 804هـ لم يحج في هذه السنة أحد لا من الشام ولا من العراق ولا من اليمن بسبب الحروب والفتن وخوف الحجّاج من القتل والهلكة.

قال بعض العلماء في ذاك الوقت: فمن غرّ وحج سقط فرضه ولكنه آثم بما ارتكب من الغرر- يعني على نفسه من خطر الطريق-.

فهل كان الحجّ آمنا!؟

ودعونا من الأعوام الأبعد إلى الأعوام الأقرب قبل فتح الملك عبدالعزيز رحمه الله للحجاز ففي حج 1326هجري يخبر محمد طاهر الكردي عن انعدام الأمن حتى مع وجود العسكر والشرط حتى ذكر أنّه قد اشتعلت فتنة بين الصفا وباب الوداع، وترامى الطرفان بالرصاص، ونتج عنها قتل عدد من العسكر والمدنيين.

وأما إبراهيم رفعت صاحب كتاب «مرآة الحرمين» فكان يخبر أنّ الحجاج يكوّنون جماعات تحمل السلاح حتى يدافعوا عن أنفسهم من اللصوص الذين يتربصون بهم لسلب أمتعتهم وخاصة عند زيارتهم لبعض الأماكن مثل المرور على جبل النور.

كما تحدث عباس متولي في كتابه "مشاهداتي في الحجاز"

كيف كان الحج مليئا بالسرقة والنهب والقتل حتى قال عن حكم آل سعود : استتباب الأمن بهذا الشكل لم يوجد في الحجاز إلا بعد تنفيذ قانون الله، وإقامة حدود العليم الخبير ا.هـ.

وأمّا النشّالون وخاصة ممن هم في البادية فقد كانوا قبل حكم آل سعود يقتلون على أدنى شيء ولا تأخذهم مخافة لله ﷻ.

أحدهم قتل حاجًا فوجد معه ريالا واحدا فقط - ريال فرانسة- فقيل قتلته لأجل ريال !

فقال بدم بارد: الريال أحسن منه !!.

وأما حجة الأمير شكيب أرسلان المشهورة فشاهدة على الحقّ فقد حجّ للبيت العتيق سنة 1348 هجري أثناء حكم الإمام عبدالعزيز آل سعود وحدث عن السلب والنهب والقتل قبل حكم آل سعود ثم ذكر مقالته المشهورة :

‏«لو لم يكن من مآثر الحكم السعودي سوى هذه الأمنة الشاملة الوارفة الظلال على الأرواح والأموال التي جعلت صحاري الحجاز وفيافي نجد، آمن من شوارع الحواضر الأوروبية، لكان ذلك كافيًا في استجلاب القلوب واستنطاق الألسن في الثناء عليه ا-هـ.

أيها القارئ الكريم :

هل تعلم أن من أعظم مسائل الحج مسألة "الإحصار " ومسألة الإحصار هي في من أحرم بالحج أو العمرة ثم منع من ذلك بسبب عدوٍّ أو مرضٍ أو غيره فيتحلل ويذبح الهدي وقد حصل هذا للصحابة رضي الله عنهم حين منعتهم قريش عام الحديبية.

وهكذا كانت الحال في كثير من السنوات التي كان الحجاج لا يأمنون الطريق فيها فيمنعون ويحصرون ويهدون.

إن من أعظم الأسباب لمشروعية الحج هو أمن الطريق والأمن على النفس كما قال تعالى : {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحجّ …}

ولذلك أهل العلم من المذاهب الأربعة نصّوا على ذلك في كتبهم.

فقد جاء في المهذب لأبي إسحاق الشيرازي :

وإن كان الطريق غير آمن لم يلزمه - أي الحج ولأن في إيجاب الحج مع الخوف تغريرا بالنفس والمال اهـ.

وللأسف لا يدرك كثير ممن طبع الله على قلبه بالحسد والحقد أنه كان من يريد الحج في السابق يجعل الذهاب للحجّ كالمغامرة العظيمة حتى كان أحدهم يودّع أهله وداعًا أشبه ما يكون لوداع المقاتل حتى إنهم ليقولون :

"الذاهب للحجّ مفقود والعائد منه مولود ".

فهل كان الحجّ آمنا في هذه الجزيرة قبل فتح الملك عبدالعزيز رحمه الله؟

وعندما جاء أولاده من بعده حرصوا على التشديد على أمن الحاج والمعتمر من بداية دخوله حدود السعودية برًا وبحرا وجوًا وهو في أمن من السرقة والاعتداء والسلب والنهب والخداع.

والسعودية لم تفعل كما فعل غيرها من خداع البسطاء والدراويش بالقبور والأضرحة ودفع قربات ما أنزل الله بها من سلطان وسيلة لأخذ أموال الناس بغير وجه حقّ، مع أنّ عندنا قبر أشرف الخلق محمد ﷺ وآله وصحبه فلو لم يكونوا أصحاب ديانة وأمانة لفعلوا ذلك .

بل إنهم منعوا هذا الاستغلال الشركي ومنعوا أي وسيلة تخدع الحاج وتسلب ماله بغير وجه حق.

ثمّ إنّه على امتداد طريق الحاج ترى كل ما يحفظ عليه حياته وصحته وعبادته.

فالشرط والدوريات الأمنية موجودة في الطرق لا يفصل بينها شيء من بداية دخول الحاج إلى بلوغه جميع المشاعر.

ومدن الحجاج تقدم السكن المريح الآمن للحاج دون مقابل …

وقد قدموا كل شيء يحرس الحاج بإذن الله تعالى من الأذى والقذى والهلكة بل حتى صداع الرأس وحساسية جلد الحاج!

فالمشافي موجودة في جميع المشاعر والمراكز الصحية بالعشرات وسيارات ومروحيات الإسعاف حاضرة في كلّ مشهد.

وما كلامي هذا إلا غيض من فيض.

ثم يأتي حاسد حزبيٌّ متكئ على أريكته يقول الحج غير آمن !!

إن لم يكن هذا الأمن فليس هناك ما يسمى أمنًا .

والحقيقة أن هؤلاء المغرضين يقصدون بالأمن هو أن ذهابهم بأنفسهم للحجّ فتحجّ معهم أفكارهم العفنة الدخيلة ليدلوا بها إلى التابعين لهم بضلال فهذا هو أمنهم المزعوم.

وهؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون.

وسيكون لهم ميعاد خزي ونكال في الدنيا والآخرة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa