الحالة بين الإدراك والوعي
لا نزال في المعترك مع المقاتل الشرس (فيروس كورونا). اختلفت أساليب النزال، ولم يتخلف العدو. الوعي هو أفضل ما نحارب به الأعداء الذين لا يتمثلون في شكل المقاتل الشريف، أو الفارس النبيل. قبل الحديث عن الفرق بين الإدراك والوعي أريد التنويه على أنني أدخُل ضمنيًا في كل ضمير (أنت) أكتبه، كما أنك أنت المعني في كل ضمير للمتحدث لي يظهر على شكل (أنا).
أدركَ الشيء أي بلغَه. أما وَعى الشيء فتعني جَمَعه، وأدركه على حقيقته. فقد أُدرك حديث شخص من أوله إلى آخره، إلا أنني قد لا أعي مما قال شيئا؛ إذًا فالوعي أشمل من مجرد الإدراك.
ندرك ما يقال وينشر حول خطورة هذا الوباء المنتشر؛ ولكن هل نعي حقًا حجم تلك المخاطر؟ هل نستطيع أن نتصور السيناريوهات والاحتمالات الفظيعة -لا قدر الله- في حالة عدم الالتزام بتوصيات وزارة الصحة؟ الوعي ليس مجرد الفهم بل شمل الإلمام بجوانب الخطورة.
ندرك طرق انتقال الفيروس؛ ولكن هل نعي ونطبق كل الاحترازات المطلوبة؟ في مرة بدأت التسوق بعد تعقيم يدَيَّ، ولبس القفازات الواقية، والكمام. وكنت حريصًا على ألا ألمس شيئًا قد يكون حاملًا للمرض؛ لكنني لم أكن واعيًا حقًا لتلك الاحترازات؛ فقد أخرجتُ هاتفي الجوال- لاستذكار ما جئت لشرائه- مستخدمًا القفازات! ولقد حككت أنفي أكثر من مرة، ولقد حركت الكمامة أكثر من مرة محاولًا التنفس بشكل أفضل، متناسيًا أنها فترة وسأكون في مكان مناسب لنزع الكمامة.
ندرك أن التباعد مع الآخرين مطلب أساسي لإيقاف انتشار الوباء، ولكن هل نعي أن التجمعات الأسرية هي من الأسباب التي تجعل الوباء ينتشر بشكل سريع وكبير، وللأسف يكون ضحاياه ممن نحبهم؟ هل نعي «إن من الرحمة أن نقسو أحيانا»، والقسوة هنا لا تتعدى الابتعاد عن المعرضين أكثر من غيرهم للفيروس؛ ككبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة! هل نعي أن من البِر الابتعاد عمن نحب مؤقتًا. رأيت من يصلي تاركًا المسافة الموصَى بها بينه ومن حوله، ثم يزاحم أمام باب المسجد للخروج دون سبب، وينتظر عند الباب، ليصافح صديقه، ثم ليمازحه ملتصقًا به، وقد يعودان في ذات السيارة. هل يعلم أنه بذلك ربما قَتَلَ مَن يُحب؟!
ندرِك أننا المسؤولون عن الأبناء- الذين لا يعون حجم الخطر- ولكن هل نعي أن مصدر الضرر قد يكون ابن العم، أو الخالة أو العمة؟ وهل ندرك أن هذا الطفل قد يكون ناقلا للمرض -ولم يتضح ذلك بعد- لأحد الوالدين؟!
قامت الدولة بأجهزتها الأمنية والصحية والإعلامية بكل ما يجب حيال هذا الوباء، وبقي علينا نحن التقيد بتلك الإجراءات والتوصيات. قالوا وذكَروا مرارًا وذكَّروا وكرروا ولكن الحقيقة في «وتعيها أذن واعية» فلنكن واعين لا مجرد مدركين.