أطلق صديقي المعلم العزيز خالد زفرة طويلة، وهو قد قضى قرابة الـ ٢٠ عامًا في سلك التعليم بعد أن هنأته "بيوم المعلم". قال لي باختصار ومحولا مسار الحديث: «ندمت كوني معلمًا»، ثم صمت، وبدوري كاتب رأي، لا يمكنني السكوت على صمت الصديق المعلم، فأنا أتابع تقريبًا بشكل أسبوعي يوميات التعليم والطلبة والمناهج والمدارس والأنشطة عبر لسانه، وفي كل مرة كان يخبرني أنَّ هناك نظامًا جديدًا فُرض على المعلم وأن عليه الانصياع لتلك الأنظمة، ويشير إلى أن المعلم هو تقريبًا الأكثر حرصًا وصدقًا في تنفيذ العملية التعليمية وبدلا من تكريمه فإن أغلب الأنظمة تصدر في حقه دون مراعاة لبقية الركائز الأخرى في العملية التعليمية، لذا لا يريد أن يهنئه أحد بيوم المعلم.
ولا شك بأن يوم المعلم الذي نحتفي به في كل عام هو اعتراف واضح وصريح بدوره الجليل في بناء الإنسان وصناعة المستقبل، وكما يقول الشاعر: «قم للمعلم وفه التبجيلا»، ولأجل أن يكون هذا الاحتفاء مؤثرًا في حياة المعلم فإن الحديث يجب أن يلامس الركائز التعليمية الأخرى التي تساهم في إنجاح دور المعلم؛ فهو ليس المسؤول الوحيد عن جودة التعليم ونجاح العملية التربوية – بحسب الأستاذ خالد-، بل إنَّ التعليم منظومة متكاملة لا تقوم على ركيزة واحدة مهما بلغت كفاءتها بل على دعم وتطوير الركائز الأخرى.
إنّ من الإنصاف في هذا اليوم المميز أن نعيد قراءة المشهد ونضع المعلم في مكانه الطبيعي وهو الفصل وأن يقوم بدوره الأساسي وهو التعليم، وأن نتركه يعمل في بيئة صحية مستقرة دون أن نُثقل كاهله بتوقعات لا يمكن أن ينهض بها بمفرده. فالمعلم – مهما كان مخلصًا ومجتهدًا – لا يستطيع أن يقدّم تعليمًا نوعيًا ما لم تتكامل معه بقية المحاور الأساسية للعملية التعليمية، من مناهج، وإدارة مدرسية، وبنية تحتية، وتقنيات تعليمية، وسياسات داعمة.
وما يُغضب صديقي خالد، أنَّ التركيز المفرط غالبا يكون على المعلم وحده، بل في بعض الأحيان يجد أن مسؤولين في وزارته يحملونه مسؤولية مخرجات التعليم وكأنه يملك عصا سحرية، وهذا أمر غير صحي، بل وغير عادل؛ فالمعلم هو طرف في منظومة أكبر يجب أن تعمل بانسجام حتى تُثمر نتائجها، والحديث المتكرر عن «تطوير المعلم» دون تطوير البيئة التعليمية والمحتوى والمنهجية، أشبه بإصلاح أداة داخل نظام معطوب بأكمله.
وعود للصديق خالد فهو دائما يركز على أعمدة أخرى داخل العملية ويزعم أن الكل يعرفها لكن بعض المسؤولين يوجهون سهامهم للمعلم من أجل الهروب من التقصير الذي قد يكونوا تسببوا فيه أو تسبب فيه السابقون. إن الركائز الحقيقية التي ينبغي الاهتمام بها لتطوير التعليم يمكن تلخيصها في خمس نقاط أساسية:
أولًا: تحديث المناهج بما يتواكب مع متطلبات العصر، ويغرس في الطالب مهارات التفكير النقدي والابتكار.
ثانيًا: تمكين المعلم من خلال التدريب المستمر والدعم النفسي والمهني، لا عبر اللوم والرقابة المفرطة.
ثالثًا: تحسين بيئة التعليم بتوفير الأدوات والتقنيات الحديثة والمرافق المناسبة التي تجعل من التعلم تجربة ممتعة وفعالة.
رابعًا، إشراك الأسرة والمجتمع في العملية التعليمية، فالتربية لا تقتصر على المدرسة وحدها. خامسًا، وجود سياسات تعليمية رشيدة قائمة على البحث والتقويم المستمر، بعيدًا عن العشوائية أو القرارات المنفعلة.
بقي القول، «إنَّ المعلم خالد مصمم على أنه حين تتحقق هذه الركائز، سيكون هو كمعلم هو أول من يشعر بالسعادة والرضا؛ لأنه سيجد نفسه في بيئة تسمح له بأن يبدع، ويتفرغ لتأدية رسالته العظيمة بعيدًا عن الضغوط الإدارية والنفسية، وأن التعليم سيرتقي إذا ركزنا على المعايير المتعلقة بالمنهج والأسرة والابتكار والمدرسة والسياسيات التعليمة، وصحيح أن المعلم حجر الأساس، لكنه ليس البناء بأكمله».