ترتدي حُلّتها فجر عرفة.. «الكعبة المشرَّفة» قلب المسجد الحرام ومهد أفئدة المسلمين

تعرّف على سبب تسميتها وكم مرة بُنيت وهُدمت..
ترتدي حُلّتها فجر عرفة.. «الكعبة المشرَّفة» قلب المسجد الحرام ومهد أفئدة المسلمين

قبل أن ترتدي الكعبة المشرفة حُلّتها الجديدة، ككل عام، فجر يوم عرفة، الخميس القادم وقفة عيد الأضحى المبارك، نتعرف على وصف وأبعاد الكعبة المشرفة وكم مرة بُنيت وهدمت، حتى العهد السعودي.

ذلك البناء الشامخ في قلب الحرم المكي الشريف، تهفو إليه قلوب المسلمين، وهي محط الأنظار وقبلة المسلمين.. هي الكعبة المشرَّفة التي تعد أول بيت وضع للناس، كما جاء في محكم التنزيل: ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)).. وهي بيت الله عز وجل وقد نسبه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه، إذ قال: ((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) [البقرة:125].

ونسب الله عز وجل البيت إلى نفسه إعلاماً لخلقه بما له من قداسة وحرمة وجلال، وتكريماً له وتشريفاً، حتى يكون في الأرض للناس جميعاً يلوذون به، ويثوبون إليه، ويجدون فيه أمن النفس من الخوف والجوع فيعبدون الله في رحابه.

وسميت الكعبة نسبة لتكعيبها وهو تربيعها وكل بناء مرتفع «كعبة» وقال النووي سميت بذلك لاستدارتها وعلوها وقيل تربيعها في الأصل.

والعلاقة وثيقة وأزلية بين الكعبة المشرفة منذ بنائها ومحيطها الجغرافي القريب، ونعني به المسجد الحرام وأدى هذا التجاور بينهما إلى النظر في زيادة مساحات المسجد الحرام منذ بزوغ فجر النبوة وما جاء بعد ذلك بما يتيح للمسلمين أداء شعائرهم في خشوع وطمأنينة.

ولم يكن هناك ذكر للمسجد الحرام قبل الإسلام والمتعارف عليه فقط مدار الطواف حول الكعبة المشرفة؛ لأن العصر الجاهلي لم يتضمن صلاة تؤدَّى حول الكعبة، بل كانوا يطوفون حولها فقط واعتاد الجاهليون الجلوس حولها في الصباح والمساء يستظلون بها من الشمس.

بناء الكعبة على يد إبراهيم وإسماعيل

أرشد الله إبراهيم عليه السلام إلى مكان الكعبة المشرفة، وأمره ببنائها، فبناها، ودعا مرة أخرى، فقال : «رب اجعل هذا البلد آمنًا»، ثم دعا في الثالثة بقوله: «فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون». فسكنت فيه أقوام مختلفة، وتعاقبت على ولاية الكعبة العمالقة، وجرهم، وخزاعة، وقريش، وغيرهم.

وكانت الكعبة موضع تعظيم وإجلال الناس والولاة على مكة، يعمرونها ويجددون بنيانها عند الحاجة، ويكسونها، ويحتسبونه فخرًا وتشريفًا لهم، حتى جاء الإسلام فزاد في تشريفها، وحث على تعظيمها، وتطهيرها، وكساها النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بعده.

وفي الماضي كان هناك من يقدم للكعبة المشرفة الهدايا ممثلة في أباريق وسطول من النحاس والفضة تستخدم للغسل، لكن في العهد السعودي أصبحت عملية إصلاح وترميم الكعبة المشرفة من ضمن اهتمامات الدولة ولم تعد هناك حاجة لمثل هذه الهدايا.

إعادة بناء الكعبة في عهد قريش

كانت قريش قد أعادت بناء الكعبة قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتركت جزءًا من البيت تابعًا للحِجْر؛ لأن النفقة قد قصرت بهم.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يعيد بناءها على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأن يُدخل الجزء الذي تركوه من الكعبة، وأن يجعل لها بابين لاصقين بالأرض، كما في حديث عائشة رضي الله عنها «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت، فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، فبلغت به أساس إبراهيم»، رواه البخاري.

بناء الكعبة في عهد عبدالله بن الزبير

في سنة 64هـ لما تولى حكم الحجاز عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، بَنَى الكعبة المشرفة على ما أحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، مشتملة على ما تركته قريش، وجعل لها بابين، باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه.

الحَجاج يعيد الكعبة إلى بناء قريش

في سنة 74هـ في عهد عبد الملك بن مروان، حاصر الحجاج مكة المكرمة، وكتب إلى عبدالملك بن مروان يخبره أن ابن الزبير قد بنى البيت على أسس نظر إليه العدول من أهل مكة، يعني به قواعد إبراهيم عليه السلام، فأمره بأن يرد الكعبة على البناء الأول الذي بنته قريش، فنقض البناء من جهة الحجر، وسد الباب الذي فتحه ابن الزبير، وأعاده إلى بناء قريش.

مطر غزير يهدم الكعبة

واتفق المؤرخون على أن الكعبة المشرفة بقيت على بناء عبد الملك بن مروان ولم تحتج إلى بناء جديد، ولم يصبها وهن ولا خراب في الجدران، وكل ما احتاجت إليه إنما هو ترميمات وإصلاحات حتى عام 1040هـ، وسبب ذلك أنه نزل بمكة في صباح يوم الأربعاء 19 شعبان سنة 1039هـ مطر غزير، واستمر إلى آخر النهار، جرى منه سيل كثير دخل المسجد الحرام والكعبة المشرفة، ووصل إلى نصف جدارها، وفي آخر النهار سقط الجدار الشامي من الكعبة، وبعض الجدارين الشرقي والغربي، وسقطت درجة السطح، ولما تسرب الماء نظفت الكعبة والمسجد الحرام من الطين ومخلفات السيل، وكتب في ذلك إلى العلماء والأمراء، فاتفق الرأي على هدم ما بقي من الجدران، فأمر السلطان مراد خان بهدم ما بقي من جدران الكعبة لتداعيها، فشرع في الهدم وتلاه البناء والتعمير، وتم الانتهاء من بنائها في الثاني من ذي الحجة سنة 1040هـ.

ترميم الكعبة في عهد الملك فهد

ولم تحتج الكعبة بعد ذلك إلى إعادة بناء، وإنما هي ترميمات وإصلاحات في أوقات مختلفة، حتى كان عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - عندما لوحظ بعض التلف في بعض أجزاء الكعبة المشرفة المصنوعة من الخشب، وكان السقف أكثر تعرضًا للتلف من غيره، وكذلك الأعمدة الخشبية، فخيف على الكعبة من هذا الضعف والتآكل.

فأمر - رحمه الله - بترميم الكعبة المشرفة ترميمًا كاملاً شاملاً من داخلها وخارجها على أحسن وجه، وبُدِئ العمل في شهر محرم عام 1417هـ وانتُهي منه في نفس السنة في شهر جمادى الآخرة، فآلت إلى أحسن حال بعد ترميمها والحمد لله رب العالمين.

أبعاد الكعبة

وقد تفاوت المؤرخون في ذكر أبعاد الكعبة، وهو اختلاف طبيعي ناشئ من اختلاف الأذرع، وما بين ذراع اليد وذراع الحديد من فرق، وهما يتفاوتان، فقد جاء في كتاب تاريخ الكعبة المعظمة أن ذراع اليد يتراوح ما بين 46-50 سم، وذراع الحديد 56.5 سم، بينما ذكر أخيرًا أن ذراع اليد 48 سم، وعلى هذا فإن الحديث عن أبعاد الكعبة بمقياس الأذرع في العصر الحاضر لا يعطي دقة في التعرف على هذه الأبعاد، بل يؤدي إلى حيرة، وذلك لأن المتر وأجزاءه هو لغة القياس المفهوم في العصر الحاضر.

وقد ذرعت الكعبة بذراع العصر الحديث عند القيام بالتوسعة السعودية الأولى، فكانت مساحتها عند قاعدتها 145مترًا، ويبلغ مساحة الحطيم بما فيها الجدار بالحطيم 94 مترًا مربعًا.

وآخر ذرع للكعبة قام به مركز أبحاث الحج في جامعة أم القرى، كان من «الركن الأسود إلى الركن الشامي 11.68م، وفيه باب الكعبة، ومن الركن اليماني إلى الركن الغربي 12.04م، ومن ركن الحجر الأسود إلى الركن اليماني 10.18م، ومن الركن الشامي إلى الركن الغربي 9.90م».

وأما أذرع الكعبة من داخلها، فقد قام المؤرخ باسلامة بذرعها بنفسه سنة 1352هـ فقال: «كان طولها من وسط الجدار اليماني إلى وسط الجدار الشامي 10.15م، ومن وسط جدارها الشرقي إلى وسط جدارها الغربي 8.10م».

وصف الكعبة من الداخل

صفة الكعبة المشرفة من داخلها عبارة عن: الركن الشامي على يمين الداخل إلى الكعبة المشرفة يوجد بناء الدرج المؤدي إلى السطح، وهو عبارة عن بناء مستطيل شكله كالغرفة المسدودة بدون نوافذ، ضلعاها الشرقي والشمالي من أصل جدار الكعبة المشرفة، وتحجب في داخلها الدرج، ولها باب عليه قفل خاص وعليه ستارة حريرية جميلة مكتوب عليها ومنقوشة بالذهب والفضة.

وعرض الجدار الجنوبي للدرج الذي فيه بابها 225سم، وعرض الجدار الغربي 150سم، وإذا صعد الإنسان من الدرج إلى السطح فقبل وصوله إلى السطح بنحو قامة يرى أمامه بابًا صغيرًا وعن يساره بابًا مثله، وكلاهما يدخل إلى ما بين سقفي الكعبة المشرفة، ومسافة ما بين السقفين 120سم، وينتهي الدرج عند السطح بروزنة «منور» مغطاة بغطاء محكم منعًا لدخول المطر، ويرفع الغطاء عند الصعود إلى السطح.

وفي داخل الكعبة أعمدة خشبية ثلاثة تحمل سقف الكعبة المشرفة، وهي من أقوى أنواع الأخشاب التي لا يُعرف مثلها، وهي من وضع عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أي أن عمرها أكثر من 1350عامًا، وهي بُنّيَّة اللون تميل إلى السواد قليلاً، ومحيط كل عمود منها 150سم تقريبًا، وبقطر 44سم، ولكل منها قاعدة مربعة خشبية منقوشة بالحفر على الخشب، ويوجد بين الأعمدة الثلاثة مداد معلق فيه بعض هدايا الكعبة المشرفة، ويمتد على الأعمدة الثلاثة حامل يمتد طرفاه إلى داخل الجدارين الشمالي والجنوبي.

والأعمدة الثلاثة مرتفعة إلى السقف الأول الذي يلي الكعبة المشرفة ولا تنفذ من هذا السقف إلى السقف الأعلى الذي يلي السماء، ولكن جعلت أخشاب عدة بعضها فوق بعض على رؤوس هذه الأعمدة الثلاثة من داخل السقفين إلى أن تصل إلى السقف الأعلى، فتكون هذه الأعمدة الثلاثة بهذه الصفة حاملة للسقفين المذكورين، ويوجد في كل عمود ثلاثة أطواق للتقوية.

أما أرض الكعبة المشرفة فهي مفروشة بالرخام وأغلبه من النوع الأبيض والباقي ملون.

وجدار الكعبة المشرفة من داخلها مؤزر برخام ملوّن ومزركش بنقوش لطيفة، وتغطَّى الكعبة المشرفة من الداخل بستارة من الحرير الأحمر الوردي مكتوب عليها بالنسيج الأبيض الشهادتان وبعض أسماء الله الحسنى على شكل 8 ثمانية أو 7 سبعة متكررة، وكُسِيَ بهذه الستارة سقف الكعبة المشرفة أيضًا.

ويوجد داخل الكعبة المشرفة تسعة أحجار من الرخام مكتوبة بالخط الثلث بالحفر على الحجر، إلا حجرًا واحدًا فإنه مكتوب بالخط الكوفي البارز، وحروف الكلمات على هذه اللوحة تتكون من قطع من الرخام الملون الثمين، ملصقة بعضها إلى جانب بعض على قاعدة الخط الكوفي المربع، وكل هذه الأحجار مكتوبة بعد القرن السادس للهجرة، وفي الحائط الشرقي وبين باب الكعبة المشرفة وباب التوبة وضعت وثيقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله -، محفورة على لوح رخام تشير إلى تاريخ ترميمه الشامل لبناء الكعبة المشرفة، وبذلك صار عدد الأحجار المكتوبة في باطن الكعبة المشرفة عشرة أحجار كلها من الرخام الأبيض، وكل هذه الرخامات مرتفعة عن رخام أرض الكعبة بمقدار 144سم ماعدا الحجر الموضوع فوق عقد باب الكعبة المشرفة من الداخل فإنه يرتفع بأكثر من مترين.

ومن المعلوم أن سدانة البيت حق شرعي ثابت لآل الشيبي منذ أن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خذوها يا بني أبي طلحة، خذوا ما أعطاكم الله ورسوله تالدة خالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم»، فهم الذين يحتفظون بمفتاح باب الكعبة المشرفة، ويفتحونها عند الحاجة إلى فتحها، وقد جرت العادة منذ عصور الإسلام الأولى أن تفتح الكعبة في مناسبات مختلفة، وفي العصر الحالي نجد أن الكعبة المشرفة تفتح في بعض المناسبات.

غسل الكعبة

تفتح الكعبة لغسلها من الداخل؛ حيث إنها في الوقت الحاضر تُغسل من الداخل مرة واحدة في العام في الخامس عشر من شهر محرم في كل عام، وذلك مراعاة للمشاريع القائمة والتوسعات المباركة وحفاظاً على سلامة رواد بيت الله الحرام والتيسير عليهم في أداء نسكهم وعبادتهم، ويقوم بهذا الشرف العظيم خادم الحرمين الشريفين أو من ينوب عنه، بحضور معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ونائبه لشؤون المسجد الحرام وعدد من سفراء الدول الإسلامية، ورؤساء بعثات الحج وغيرهم من كبار المسؤولين، فيتشرفون بغسلها، ومسح جدرانها بماء زمزم المعطر بالند والعود وعطر الورد، حتى إذا تم ذلك صلوا إلى جدرانها، ثم دعوا حامدين شاكرين الله رب العالمين.

ومن الملامح المهمة التي تلازم الكعبة المشرفة، بل ربما يصح لنا أن نقول عناصر الكعبة المشرفة «باب الكعبة، قفل ومفتاح باب الكعبة، الحجر الأسود، الركن اليماني، الحجر، الميزاب، الملتزم، الكسوة، سدنة الكعبة، الشاذروان».

عناصر البيت العتيق

لكل بيت عناصر ومكونات، وبيت الله أهم وأقدس البيوت قاطبة في الدنيا كلها، ومفرداته لها قيمتها الدينية والتاريخية، وهي أجزاء من بيت الله، وفي حرم الله الآمن، وسنتناول هذه العناصر باختصار غير مُخِلّ.

الحجر الأسود:

لما بنى إبراهيم وإسماعيل عليها السلام القواعد من البيت، ليبلغا الركن، قال إبراهيم لابنه إسماعيل: يا بني اطلب لي حجراً حسناً أضعه هنا، قال: يا أبتِ إني كسلان لغب، قال عليّ ذلك فانطلق يطلب له حجراً، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثغامة، وكان آدم قد هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس، فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن، قال: يا أبت من جاءك بهذا، قال: جاء به من هو أنشط منك، فبنيا عليه، وهما يدعوان الكلمات التي ابتلى إبراهيم ربه فقال: ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [البقرة:127].

وقد وردت أحاديث صحيحة في السنن، قال عليه الصلاة والسلام: {كان أشد بياضاً من اللبن، وإنما سوّدته خطايا ابن آدم}.

وفي حديث أبي جهم أن الحجر الأسود نزل قبل إبراهيم، ثم رفع إلى السماء حين غرقت الأرض، ثم جاء به جبريل حين بناء إبراهيم نقله الحافظ ابن حجر في شرح صحيح البخاري، ورغم الخلاف على المكان الذي كان به الحجر، هل هو الهند، أو في السماء، أو جبل أبي قبيس، إلا أن الكل متفقون على أن الحجر من الجنة.

والحجر الأسود يقع في ركن الكعبة الشرقي، وارتفاعه من أرض المطاف متر واحد ونصف المتر، ولا يمكن وصفه الآن؛ لأن الذي يظهر منه في زماننا ونستلمه ونقبله إنما هو ثماني قطع صغيرة مختلفة الحجم أكبرها بقدر التمرة الواحدة، وأما باقيه فإنه داخل في بناء الكعبة المشرفة، وممن رآه ابن علان أثناء بناء الكعبة زمن السلطان مراد عام 1040هـ قال: وذرع طوله نصف ذراع بذراع العمل، وعرضه ثلث ذراع، وسمكه أربعة قراريط، والسواد هو على الظاهر من الحجر أما بقية جرمه فهو على ما هو عليه من البياض.

وقد مر على الحجر الأسود حوادث كثيرة، أولها ما ذكره ابن إسحاق، أنه عندما أخرجت جرهم من مكة، خرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بغزالي الكعبة والحجر، فدفنهما في زمزم وانطلق، وهناك اختلاف في مكان الدفن، غير أن امرأة من خزاعة شاهدت عملية الدفن فأخبرت قومها فأعادوه إلى مكانه، ولم يعترِ الحجر الأسود نقل أو تغييب من عهد قصي إلى بناء عبد الله بن الزبير، وهو أول من ربط الركن الأسود بالفضة عندما تعرض وتصدع من الأحداث التي جرت، وأضاف إليه الخليفة العباسي هارون الرشيد تنقيبه بالماس، ثم أفرغ عليه الفضة، وقد وقع حادث عليه في آخر شهر محرم عام 1351هـ، عندما اقتلعت قطعة من الحجر الأسود، وعمل الأخصائيون مركباً كيماوياً مضافاً إليه المسك والعنبر، وبعد أن تم تركيب المركب الكيماوي، أخذ الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله قطعة الحجر الأسود بيده ووضعها في محلها تيمناً.

ولعل أفظع ما مر على الحجر الأسود حادثة القرامطة الذين أخذوا الحجر وغيبوه نحو اثنتين وعشرين سنة، ورد إلى موضعه سنة 339هـ.

ومن أمام الحجر الأسود يتم البدء في الطواف بالكعبة.

الركن اليماني:

هو ركن الكعبة المشرفة، وهو يسبق الحجر الأسود في الطواف، وبينهما يدعو الطائف اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وفضائل هذا المكان عظيمة، ومزاياه جليلة، وأعظم فضيلة له هي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم استلمه بيده الشريفة، وكان يفعل ذلك كثيراً فصارت سنة نبوية ثابتة مشروعة.

ومن فضائله - والركن الأسود - أنهما على القواعد الأولى للبيت التي رفعها إبراهيم عليه السلام.

حجر إسماعيل:

حجر إسماعيل عليه السلام فهو الحائط الواقع شمال الكعبة المعظمة، وهو على شكل نصف دائرة، وقد جعله إبراهيم عليه السلام عريشاً إلى جانب الكعبة، وهذه الرواية تدل على أن الحجر لم يكن من البيت المعظم، وإنما كان خارجاً منه، غير أنه لما بنت قريش الكعبة أنقصت من جانبها الشمالي ستة أذرعاً وشبراً على أشهر الروايات الصحيحة، وأدخلته في حجر إسماعيل. ويسمى الحجر أيضاً الحطيم، وقد ذكر ابن الأثير في النهاية أن موضعين سُمّيا بالحطيم، قال: سُمّي حطيم مكة وهو ما بين الركن والباب، أي الملتزم، وقيل: هو الحجر المخرج من الكعبة، سمي به لأن البيت رفع وترك هو محطوماً.

وروى الأزرقي قال: الحطيم ما بين الركن الأسود والمقام وزمزم، والحجر سمي حطيماً لأن الناس يزدحمون على الدعاء فيه ويحطم بعضهم بعضاً، والدعاء فيه مستجاب.

شاذروان الكعبة:

وهو البناء المحاط بأسفل جدار الكعبة مما يلي أرض المطاف من جهاتها الثلاث: الشرقية، والغربية، والجنوبية، وهو بناء مسنّم بأحجار الرخام والمرمر، أما الجهة الشمالية فليس فيها شاذروان، وإنما هو بناء بسيط ارتفاعه أربعة قراريط عن حجر إسماعيل، وهو من الحجر الصوان، من نوع الحجر الذي بنيت به الكعبة المعظمة.

وحقيقة الشاذروان هو من أصل جدار الكعبة المعظمة حينما كانت على قواعد إبراهيم، وقد انتقصته قريش من عرض أساس جدار الكعبة المعظمة، حين ظهر على وجه الأرض كما هي العادة في البناء.

قال الأزرقي في تاريخه: وعدد حجارة الشاذروان التي حول الكعبة ثمانية وستون حجراً في ثلاثة وجوه من ذلك من حد الركن الغربي إلى الركن اليماني خمسة وعشرون حجراً، منها طول ثلاثة أذرع ونصف الذراع وهو عتبة الباب الذي سُدَّ في ظهر الكعبة، وبينه وبين الركن اليماني أربعة أذرع، وفي الركن اليماني حجر مدور، وبين الركن اليماني والركن الأسود تسعة عشر حجراً، ومن حد الشاذروان إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود ثلاثة أذرع واثنا عشر إصبعاً ليس فيه شاذروان، ومن حد الركن الشامي إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود ثلاثة وعشرون حجراً، ومن حد الشاذروان الذي يلي الملتزم إلى الركن الذي يلي الحجر الأسود ذراعان ليس فيها شاذروان وهو الملتزم، وطول الشاذروان في السماء ستة عشر إصبعاً.

الملتزم:

الملتزم هو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، وسمي بالملتزم لأن الناس يلزمونه ويدعون عنده، وفضله عظيم، ولذلك ثبت أنه من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: {وقد التزم بين الباب والحجر، هذا والله المكان الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم التزمه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء ما دعا الله فيه عبد دعوة إلا استجابها}.

ميزاب الكعبة:

وأول من وضع ميزاباً للكعبة قريش حين بنتها سنة 35 من ولادة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كانت قبل ذلك بلا سقف، ثم لما بناها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه الله عنهما وضع لها ميزاباً وجعل مصبه على حجر إسماعيل كما فعلت قريش.

وقال الأزرقي: وذرع طول الميزاب أربعة اذرع، وسعته ثمانية أصابع في ارتفاع مثلها، والميزاب ملبس صفائح ذهب داخله وخارجه، وكان الذي جعل عليه الذهب الوليد بن عبد الملك.

وقد وقع تغيير وتبديل في ميزاب الكعبة، وذلك لسببين:

أحدهما كان إذا اعتراه خراب عمل غيره.

والثاني: كان بعض الملوك أو الأغنياء من عظماء المسلمين يهدي الكعبة المشرفة ميزاباً فيُركّب في الكعبة وينزع الذي قبله.

وقد عمل السلطان عبد المجيد خان ميزاباً صنع بالقسطنطينية عام 1276هـ، وركب في نفس السنة وهو مصفح بالذهب نحو خمسين رطلاً.

قلت وهو آخر ميزاب، وهو الموجود الآن بالكعبة المشرفة.

باب الكعبة:

اختلف الرواة في أول من عمل للكعبة المعظمة باباً، فمنهم من قال أن له مصراعين وقفلاً، والقول الثالث: إن أول من وضع باباً على الكعبة المعظمة تبع الثالث أحد ملوك اليمن المتقدمين على البعثة النبوية بزمن بعيد، وهذا القول رواه ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق المطلبي، ورواه الأزرقي في تاريخ مكة.

ولما عمرته قريش جعلت له باباً بمصراعين، وكان طوله أحد عشر ذراعاً، وكذلك ابن الزبير، فلما كان الحَجّاج عمل له باباً طوله ستة أذرع وشبر، وذلك أن الحجاج رفع باب الكعبة عما كان عليه في بناء ابن الزبير؛ لذلك صار طول الباب الذي عمله على قدر الفتحة.

وفي العهد السعودي تم تركيب بابين، الأول في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، وقد كان عام 1363هـ، 1944م؛ حيث تم صنع باب جديد من الألمنيوم بسمك 2.5 سم، وارتفاعه 3.10 أمتار، ومدعم بقضبان من الحديد، وتمت تغطية الوجه الخارجي للباب بألواح من الفضة المطلية بالذهب، وزين الباب بأسماء الله الحسنى، وقد صنعه شيخ الصاغة.

أما الباب الثاني فقد أمر بصنعه الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله، وقد برزت الفكرة عندما لاحظ الملك خالد عام 1397هـ - 17977م قِدَم الباب عندما صلى في جوف الكعبة، ورأى آثار خدوش في الباب، فأصدر توجيهاته فوراً بصنع باب جديد، وباب التوبة من الذهب الخالص، وكان لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز «كان ولياً للعهد آنذاك» على أن يظهر العمل الجليل هذا بالصورة التي تتمناها نفس كل مسلم أثرها البالغ في ظهور الصورة الأخيرة التي برز بها الباب، وقد قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد حين ذاك بزيارة مقر العمل، وكان لهذه الزيارة الكريمة أثرها الفعال في دفع طاقة العمل والانطلاق به، وقد انتهينا من العمل قبل الموعد المحدد.

وقد تكلفت صناعة البابين - باب الكعبة - وباب التوبة - (13.420.000) من الريالات، عدا كمية الذهب التي تم تأمينها بواسطة مؤسسة النقد العربي السعودي، وكميتها مائتان وثمانون كيلوجرامًا، وكان الذهب عيار 9.999%، واستغرق العمل منذ بدء العمل التنفيذي فيه في غرة ذي الحجة عام 1398هـ، اثني عشر شهراً، وقد أقيمت ورشة خاصة لصناعته.

من جانبها أعلنت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أن موعد تغيير كسوة الكعبة سيكون يوم الخميس المقبل الموافق ليوم عرفة؛ حيث يقوم يقوم 160 فنياً وصانعاً باستبدال كسوة جديدة، بكسوة الكعبة المشرفة القديمة، جرياً على العادة في مثل هذا اليوم من كل عام.

اقرأ أيضًا:

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa