العيد في عسير.. باقات عطرية وفنون تنشر مظاهر الفرح

بهجة حاضرة دائمًا لدى الأهالي
العيد في عسير.. باقات عطرية وفنون تنشر مظاهر الفرح
تم النشر في

ظلت قمم الجبال بمنطقة عسير الوسيلة الأبرز لإعلان دخول عيد الفطر قديمًا؛ حيث تجسد هذه الممارسة أحد ملامح تأقلم الإنسان في عسير مع تضاريس أرضه وتوظيفها لخدمته في جميع المجالات ومنها التبليغ عن الشعائر الدينية.

وتتميز منطقة عسير بتنوع تضاريسها «سراة وتهامة» مما هيأ تنوعًا في طريقة التبليغ بانتهاء شهر رمضان المبارك قبل أكثر من 70 عامًا؛ ففي الأجزاء السروية من عسير كان يتم تعيين أشخاص ثقات للجلوس في أعلى المرتفعات لمراقبة هلال شهر شوال، وعند تثبتهم من رؤية الهلال يضرمون النيران من قمم الجبال عبر أعواد يطلق عليها في ذلك الزمن (مشاعل).

ويشير المؤرخ الدكتور غيثان جريس في كتابه «عسير.. دراسة تاريخية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية»، إلى أن اتساع مساحة منطقة عسير واختلاف طبيعتها الجغرافية التي أدت إلى تنوع أساليب إعلان رؤية هلال العيد باختلاف أجزاء المنطقة؛ حيث يشعل المعنيون بالإعلان والتثبت من أجزاء أخرى من المنطقة، المشاعل في قمم الجبال أيضًا، مع تأكيد رؤيتهم للهلال بإطلاق الأعيرة النارية بالبنادق، كما يكتفى بالأعيرة النارية في أجزاء أخرى من المنطقة، وفي بعض الأجزاء التهامية كان يتم استخدام أسلوب النداء عبر التجوال بالدواب في القرى والهجر للمناداة والإخبار بانتهاء شهر رمضان وحلول عيد الفطر.

وحافظ أهالي منطقة عسير منذ مئات السنين وحتى عصرنا الحاضر على إبراز مظاهر الاحتفاء بالأعياد بتبادل الهدايا التقليدية المكونة من باقات النباتات العطرية التي تشتهر بها المنطقة مثل الريحان والشيح والسداب والبعيثران والبرك، إضافة إلى أنواع البخور الفاخر.

وفي ليالي وأيام العيد، تجتمع الروائح العطرية الزكية مع مظاهر الفرح، فينطلق الجميع للتعبير عن ذلك بأداء بعض الرقصات الشعبية المشهورة في المنطقة مثل «الدمة والخطوة والبدوية» وغيرها من الفنون التي تتميز كلماتها في هذه المناسبة بالحمد والثناء لله على إتمام الصيام وطلب القبول إضافة إلى إشاعة السرور بين الحاضرين وإشراك الأطفال في أداء تلك الرقصات الشعبية، حيث تعد مناسبة العيد من أهم المناسبات التي يتعلم فيها الأطفال فنون وتراث آبائهم وأجدادهم.

ورغم اندثار بعض العادات التي كانت تشتهر بها الأعياد في منطقة عسير بفعل المعطيات الحديثة، إلا أن بهجة العيد ما زالت حاضرة في كل منزل، فبعد أن كان أهل القرى يحرصون على التنقل مشيًّا بين بيوت القرية الواحدة على شكل جماعات متتالية للمعايدة، استُبدلت في السنوات الأخيرة بالتجمعات العامة المسائية في المتنزهات والاستراحات أو بعض الأماكن العامة وسط القرية.

كما كانت الاحتفالية بالعيد تبدأ بعد تجمع الأهالي في مصلى العيد المتوسط للقرية ثم أداء الصلاة والاستماع للخطبة، تليها الانطلاقة إلى أقرب بيت من موقع المصلى للمعايدة وتناول بعض المأكولات الشعبية التي لا يخلو منها بيت ويبدأ الإعداد لها قبل يوم أو يومين من العيد مثل «الفتة والعصيدة والعريكة» وبعض المأكولات الأخرى التي صنعت أطباقها من البر الذي تتميز المنطقة إضافة إلى العسل والسمن.

أما أبرز مظاهر الاحتفاء بالعيد حاليًّا؛ فتبدأ منذ الأيام الأخيرة لشهر رمضان المبارك؛ حيث تكتظ المجمعات التجارية بالمتسوقين الذين يحرصون على اقتناء الملابس الجديدة والعطورات والهدايا بهذه المناسبة السعيدة، مع التركيز على كسوة الأطفال وشراء الألعاب لهم.

وتشارك الجهات الرسمية في تنظيم فعاليات احتفالية بالعيد، تبدأ بزينة الطرق الرئيسية بإنارات خاصة ولوحات ضخمة تحتوي على عبارات احتفائية، إضافة إلى تنظيم فعاليات ترفيهية موجهة للعائلات في الأماكن العامة.

ومنذ ظهور جائحة كورونا العام الماضي وضعت ضوابط خاصة للاحتفال بالعيد من قبل الجهات الرقابية في المنطقة؛ حيث يتم تنظيم الاحتفالات والاجتماعات وسط تطبيق الاحترازات الصحية والتوعية بأهمية التسجيل في اللقاح حفاظًا على صحة المجتمع وضمان سير خطط التصدي لانتشار فيروس كورونا.

اقرأ أيضًا:

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa