"الأربعاء الكبير".. تسابق أمريكي- روسي في التودُّد للسعودية فهل وصلت الرسالة؟!

3 معانٍ مبهرة وأثر يمتد إلى ما وراء المصالح
"الأربعاء الكبير".. تسابق أمريكي- روسي في التودُّد للسعودية فهل وصلت الرسالة؟!

لم يأتِ سباق الإشادة بالسعودية- الذي انطلق منذ صباح الأربعاء بين أمريكا وروسيا- بالمصادفة، كما أنه ليس نتاجًا لظرف استجدَّ في علاقات المملكة بالقطبين الكبيرين، لكنه دليل جديد على اليقين المتنامي لدى كلا الطرفين بأنَّ من يَحُزْ ثقة الرياض سيكون هو الرابح الأكبر، سواء في قضايا الإقليم أو على مستوى السوق العالمي للطاقة.

ولعلَّ من يقرأ تسلسل التصريحات الأمريكية الصادرة عن الجهتين المختصتين مباشرة بإدارة علاقات واشنطن الدولية، وهما البيت الأبيض ووزارة الخارجية بشأن المملكة، ثم يضعها إلى جانب حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفعم بالتقدير لدور القيادة السعودية، لاسيما ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان- سيجد أمامه صورة مهيبة ومبهرة لدولة ثقيلة ومؤثرة على مختلف المستويات.

تستحق تلك التصريحات تحليلًا مطولًا، حتى يتبين للمواطن السعودي كيف أوفت قيادته بوعدها، وتمكنت في وقت وجيز من تحقيق ما عجز عنه آخرون عبر قرون، غير أننا نكتفي هنا بالتركيز على معاني "الأربعاء الكبير" في السياق الراهن، ثم على تأثيره في القضايا الإقليمية الكبرى، وفي مقدمتها مواجهة التغلغل الإيراني في دول الجوار والمؤامرة القطرية- التركية على الدول الرئيسية بالمنطقة، خاصة وأنَّ هناك تناقضًا كبيرًا بين طرفيه في معظم هذه القضايا.

دولة كبيرة وموثوقة
أول تلك المعاني، يتمثَّل في أن السعودية التي تمكنت- عبر تاريخها- من مواجهة العواصف وقهر المؤامرات، ثم نجحت- خلال الفترة الماضية- في التعامل بهدوء وحكمة مع حملات تحريض رخيص استهدفتها، واثقة أن قامتها بين الأمم لا تسمح لها بالتصاغر أو الانشغال بالدروب الضيقة، لتبدو كبيرة في عيون الكبار، وهل أدل على ذلك من وصف الرئيس الأمريكي لها، في حوار مع صحيفة "واشنطن بوست"، بأنها صاحبة نفوذ غير عادي، وأن دورها في مواجهة الإرهاب والتطرف والتغلغل الإيراني، لا يعوَّض. مؤكدًا، في الوقت عينه، أن تحالف واشنطن- الرياض غير قابل للمسّ أو التأثر بمزاعم لم يجدوا عليها دليلًا واحدًا.

دولة مهمة ومؤثرة
المعنى الثاني، الذي يمكن استخلاصه من مقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بصحيفة "وول ستريت جورنال"، مفاده أن نفوذ المملكة يقترن بدور، يدرك الحلفاء- كما الخصوم- أهميته وأثره.

ومثالاً على ذلك ما قاله بومبيو وهو يكشف أنَّ الذين يحتجون على استمرار التحالف مع الرياض هم أنفسهم الذين دافعوا عن تقارب إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مع النظام الإيراني، قاتل الآلاف وأكبر داعم للإرهاب، ملمحًا بذلك إلى أن هؤلاء إنما يضربون استقرار الشرق الأوسط لصالح الفوضى.

تأكيدًا لهذا المعنى، نوَّه الوزير الأمريكي بسياسة المملكة في دعم استقرار العراق وملف اللاجئين السوريين، ومواجهة الإرهاب، ثم زاد فأشاد على نحو خاص بدور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في مواجهة التغلغل الإيراني في المنطقة، مشددًا على "أنّ إنتاج النفط السعودي والاستقرار الاقتصادي مفتاح الازدهار الإقليمي وأمن الطاقة العالمي".

دولة وفية ومخلصة
بعد تصريحات الوزير الأمريكي بوقت وجيز، جاء حديث الرئيس الروسي أمام منتدى "ف ت ب كابيتال" الاقتصادي ليلقي بضوءٍ مكثف على المعنى الثالث، الذي يتمثل في وفاء السعودية بوعودها، وقدرتها على قيادة الآخرين بإخلاص وصمت، بما في ذلك قوى كبيرة ومؤثرة، في الاتجاه الصحيح.

وعد المملكة معروف، ويتمثل في الالتزام الدائم، كأكبر منتج  للبترول في العالم، بالحفاظ على استقرار أسواق النفط، وقد جدّد ولي العهد في مناسبات عدة، هذا الوعد، منطلقًا من قناعته بالمسؤولية الملقاة على السعودية، كدولة كبيرة تؤمن بالمصير الإنساني الواحد.

هذا بالضبط؛ ما أقرَّ به بوتين بمفردات واضحة وقاطعة لا تحتمل اللبس أو التأويل..

قال الرئيس الروسي- مثلًا- إن "الأمير محمد بن سلمان هو صاحب الفضل في الالتزام التام من جانب منتجي النفط بتعهداتهم أمام الأسواق العالمية". وقال أيضًا: إن "ولي العهد كان المبادِر لهذا العمل، الذي أسفر عن نتائج إيجابية".

وزاد بوتين موضحًا أنها المرة الأولى في تاريخ الدول المنتجة للنفط التي يتم فيها تنفيذ التعهدات بنسبة 100%. مشيرًا إلى أن ذلك يعود إلى دور السعودية في المقام الأول، وهو اعتراف يشعر المواطن السعودي بالفخر والرضا، لكن الأهم– فيمما يتعلق بعلاقات القوى في العالم- أنه يعزّز لديه الثقة بأن بلاده ماضية، رغم ما تتعرض له من مؤامرات وتحريض- في الطريق الصحيح، على كل المستويات.

الدلالة والأثر
هنا؛ يمكن للمحلل الرصين أن يأخذ قول البعض بأن تنافس القوتين الأكبر في العالم على الإشادة بالسعودية، إنما يهدف لتحقيق مكاسب اقتصادية، خاصة لكل منهما، بمحمل الجد، فيعتبره شهادة على أن ثقة الجانبين بأن المملكة تملك من مقومات البقاء والقوة، ما يجعل التعامل معها آمنًا ومضمونًا، غير أن ذلك يظلّ– بالحسابات الأشمل- مجرد تعبير عن رؤية تقليدية، تعتمد معيار "التفاعل التجاري" لقياس قوة الدول، مهملة المستجدات العالمية، وأولها الثورة المعرفية، التي استفادت بها السعودية في تطوير مجتمعها واقتصادها، لتصبح– بمؤشرات عديدة- واحدة من القوى المؤثرة في عصب النظام العالمي.

يعزّز هذه القناعة أنّ التصريحات الأمريكية والروسية جاءت قبيل أيام من "قمة العشرين"، التي تشارك فيها المملكة، باعتبارها صاحبة الاقتصاد السابع عشر عالميًا بإجمالي ناتج محلي يصل إلى 2.564 تريليون ريال أي ما يُعادل 684 مليار يورو. كما أنها تأتي متزامنةً مع اقتراب المملكة من حسم المواجهة ضد التغلغل الإيراني في عددٍ من بلدان المنطقة، فضلًا عن نجاحها في حماية جيرانها من خطر الفوضى، الذي كاد أن يعصف بالمنطقة بدءًا من عام 2011.

إن السعودية تشكِّل- ومنذ زمن بعيد- مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط برُمَّته، وقد أقر لها عقلاء الكون بذلك وشهدوا عليه. أما  اليوم فقد باتت- باعتراف أكبر قوتين في النظام الدولي- مصدرًا للخير والرفاهية والأمان للعالم كله.. باتت في شموخ يليق بها.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa