رسالة غامضة تحتوي على عبارات ورسوم نازية وعنصرية تشعل الجدل والخوف والحيرة في أوساط المهاجرين والجاليات المسلمة وبين عناصر الأجهزة الأمنية والاستخبارية في كل من ألمانيا والنمسا.
وزاد الأمر إثارةً أن الرسالة ربطت بين فتاتين ترتديان الحجاب، لا تعرف كل منهما الأخرى، ولم تتقابلا أو تتحادثا يومًا قط، قبل أن تجمعهما حادثة مثيرة للقلق.
ونشرت مجلة «بينتو» إحدى إصدارات مؤسسة «شبيجل» الإعلامية، تفاصيل الحادثة التي بدأت الشهر الماضي، حين تلقت كوبرانور صاحبة الـ26 عامًا، والمقيمة بمدينة إنس النمساوية الصغيرة التي تعمل في مجال المبيعات ولديها طفل من زواج سابق؛ رسالة عبر تطبيق واتساب أرسلتها إليها والدتها، لتكتشف أنها صورة ضوئية من رسالة وصلتها على منزل والديها، وتتضمن رمز الصليب المعكوف النازي الشهير، وعددًا من العبارات العنصرية والشتائم، وصورة لشبيبة هتلر، فضلًا عن صورة فتاة أخرى مجهولة، لكنها ترتدي الحجاب، ورسم تعبيري ضاحك يوجه إهانات للمسلمات والمرتديات غطاء الرأس، وقد تم تنسيق كل ذلك على خلفية غابة غائمة.
وصعقت الدة كوبرانور من فحوى الرسالة، فصوَّرتها ومررتها على الفور إلى ابنتها لتسألها وتحذرها في الوقت ذاته خشية أن يمسها أي مكروه، وبالتوازي مع ذلك تحرت الأم بين الجيران، وغالبيتهم من المهاجرين، عما إذا كان أحدهم قد تلقى رسالة تتضمن المحتوى نفسه أم لا، وكانت الإجابة بالنفي.
لم يكن لدى الابنة كوبرانور، أي فكرة عن سبب الرسالة أو سر وصولها إليها هي بالذات، وبدت الفتاة الأخرى -واسمها أمينة- بالنسبة إليها مجهولة بالكلية، ولم تكن تعرف في تلك اللحظة إذا كانت الأخيرة هي الراسل أم أن أحدًا استخدم صورتها فحسب.
ساعات قليلة وانهالت الرسائل على منى (25 عامًا)، وهي طالبة دكتوراه متميزة تقيم في ألمانيا، عبر حسابيها في فيسبوك وإنستجرام؛ حيث سألها عدد من أصدقائها إذا كانت هي صاحبة الصورة في رسالة الكراهية والعنصرية التي وصلت إليهم عبر صديق مشترك، وهو سياسي نمساوي نشط، كان يعرف الفتاتين ضمن أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي.
في البداية، اعتقدت منى أنها رسالة تهديد، ثم سرعان ما فهمت أنه قد تم استخدام صورة منشورة لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لترهيب فتاة أخرى برسائل عنصرية.
على الفور، وعبر الصديق المشترك، تواصلت الفتاتان هاتفيًّا، ليكتشفا أن الشيء الوحيد الذي يربط بينهما هو السن والحجاب، وأخيرًا الرسالة العنصرية، قبل أن تُقدِما على الاتصال بالشرطة في البلدين لبحث الأمر.
تقول كوبرانور: «لم أكن أعتقد قط أنني سأتعرف إلى أمينة من أمر كهذا، وكنت أود أن أعرفها بطريقة مختلفة»، لافتةً إلى أن الحادث تعقَّد وازداد غموضًا على خلفية فشل الشرطة في معرفة صاحب الرسالة، وخاصةً أن والدتها قد أمسكت المظروف وفتحته وأمسكت الرسالة، فضلًا عن أشخاص آخرين في عائلتها ومن الجيران فعلوا الأمر ذاته، ومن ثم تبددت أي بصمات قديمة على الرسالة يمكن رصدها ومن ثم تتبعها.
من جانبها، أكدت الشرطة النمساوية، أن الرسالة تعد انتهاكًا واضحًا لقوانين الحظر المتعلقة بالصور والشعارات النازية واليمينية المتطرفة، التي يتم العمل بها منذ عام 1947، مشددةً على أن الرسالة أصبحت في يد الاستخبارات بفيينا.
وفي الأحوال العادية، كان على كوبرانور الذهاب إلى مكتب المدعي العام أو إلى المحكمة لمقاضاة المتسبب في إهانتها وترويعها، لكن الشرطة قالت: «نظرًا لعدم وجود مرسل في الرسالة ولمس عدد من الأشخاص لها، فإن التحقيق صعب»، قبل أن تؤكد أنها تأخذ القضية على محمل الجد.
ويُداوِم أفراد عدة من أسرة كوبرانور على المبيت معها خشية أن يهاجمها أحدهم، كما دعت الجاليات العربية والمسلمة أفرادها إلى الحذر والحيطة. وفي المقابل، فشلت أمينة في تحديد أي متهم في دائرة معارفها قد يكون صاحب الرسالة الحقيقي.
غير أن الشابتين تشعران بخيبة أمل من ردود أفعال ضباط الشرطة. وتعتقدان أن العناصر الأمنية في البلدين لم تفاجأ بالحادثة، كأنها معتادة.
وتعرضت الفتاتان كثيرًا لمضايقات وحماقات وتحرشات لفظية على الأقل في العمل والشارع ودُور العلم بسبب الحجاب، وفي حالات أبلغتا الشرطة، غير أن الحادثة الأخيرة تظل الأغرب والأكثر إثارةً للخوف لهما.
وعلى هذا النحو، قررتا مواصلة البحث عن الجاني بمواصلة التحدث والنشر عن الحادثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي دفع الشرطة إلى إعادة فتح التحقيق مجددًا، وعلى نطاق واسع، كما تقدَّمت بعض الجمعيات الإسلامية النمساوية بطلبات إلى الحكومة لتوسيع البحث والتحري، على أمل أن ينجح الضغط الشعبي في الإيقاع بالجاني المجهول، قبل فوات الأوان، وخاصةً أن ألمانيا والنمسا يتصاعد فيهما منذ سنوات تيارات نازية وعنصرية ويمينية متطرفة تعادي العرب والمسلمين بشراسة.
اقرأ أيضًا: