أعادت منظمة العفو الدولية «أمنستي»، اليوم الخميس، فضح النظام الحاكم في الدوحة، وسلطت المنظمة عبر تقرير جديد بعنوان «الجميع يعمل، ولا أجور»، الضوء على الأوضاع المأساوية لآلاف العمال الأجانب، متهمة الحكومة بالكذب، كونها «لم تفِ بوعودها لتحسين ظروف العمال الأجانب الذين يعملون في منشآت استضافة مونديال 2022».
ونقلت قناة «الحرة» الأمريكية، عن «أمنستي» أنه «بالرغم من الوعود الكبيرة للإصلاح التي تعهدت بها قطر قبل مونديال 2022، إلا أنها تبقى مرتعًا لبعض أرباب العمل المجردين من المبادئ»، ما يشكّل إحراجًا كبيرًا لأمير قطر الذي يزور باريس حاليًا؛ حيث يلتقيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم، فيما حضر تميم، أمس الأربعاء، مباراة في كرة القدم بين فريقي باريس سان جيرمان، الذي يملكه صندوق استثماري سيادي قطري، وريال مدريد.
ويوثق تقرير «أمنستي»، معاناة مئات العمال في ثلاث شركات للإنشاءات والتنظيفات في قطر لم يتقاضوا أجورهم منذ أشهر، وقال نائب مدير منظمة العفو للشؤون الدولية، ستيفن كوكبيرن: «العمال المهاجرون يذهبون إلى قطر على أمل إعطاء حياة أفضل لعائلاتهم، وبدلًا من ذلك، يعود الكثير منهم إلى أوطانهم فارغي الجيوب بعد قضاء أشهر وهم يلهثون لتحصيل أجورهم، بمساعدة صغيرة من الأنظمة التي يفترض أن تحميهم هناك».
كذب
وفيما تعرّضت قطر لانتقادات بسبب سوء معاملة العمال المهاجرين، فقد تعهدت– دون تنفيذ حتى الآن- لمنظمة العمل الدولية عام 2017 على إصلاح قوانين العمل، بما في ذلك إنشاء لجان جديدة لحل النزاعات، لكن «كوكبيرن»، نصح السلطات القطرية بـ«تنفيذ ما وعدت به بالكامل وإنهاء الواقع المخزي لاستغلال العمال».
وفيما أشارت المنظمة إلى قضية عامل كيني يعمل في شركة «يونايتد كلينينغ»، الذي اضطر إلى البحث عن الطعام في سلال القمامة نتيجة عدم حصوله على راتبه لخمسة أشهر، وقال الرجل: إنه عمل مدة عامين وخمسة أشهر في هذه الشركة بدون إجازات، وكان يستحق «الكثير من المال»، فيما قال التقرير: إن الشركات المتهمة أرجعت عدم دفع الرواتب لصعوبات مالية.
أدوار
وسلطت اتهامات رسمية وجهها القضاء الفرنسي، للقطري ناصر الخليفي (رئيس مجموعة بي إن سبورتس القطرية، مالك نادي باريس سان جيرمان، رجل أمير قطر في قطاع الاستثمارات الرياضية والإعلامية) في مايو الماضي، الضوء على ملفات عدة يلعب فيها «الخليفي» أدورًا مشبوهة لصالح النظام الحاكم في الدوحة.
وإلى جانب صفقات البيزنس الضخمة التي يديرها في أوروبا، بأبعادها السياسية، فإنه يؤدي عشرات الأدوار الأخرى، لا سيما دوره الأخير في التمويه على جريمة العصر التي أعادت «عصر العبيد» مجددًا، ممثلة في الظروف المأساوية التي يعيشها العاملون الوافدون في منشآت مونديال 2022.
وفيما رد الأمن القطري، مؤخرًا، بكل عنف على الاحتجاجات التي نظمهما العمال في ضوء أوضاعهم المأساوية، فقد بادر الخليفي بإنفاق ملايين الدولارات على حملات إعلامية غربية، حصلت عليها شركات علاقات عامة دولية، حتى لا تتطرق وسائل الإعلام الغربية لهذا الملف الكارثي.
شهادة
يقول أحد العاملين في ستادات قطر: «ذهبت إلى عملي في الساعة الخامسة صباحًا، فوجدت الدِماء في كل مكان.. لا أعرف ما حدث، لكن تم التستر على الموضوع دون كتابة أي تقرير.. وعندما أبلغت عن الأمر، قيل لي: يجب عليك أن تتوقف عن الشكوى، حتى لا يتم فصلك...»، هكذا تحدث شاهد عيان أمام مسؤولي «الاتحاد الدولي لنقابات العُمال»، عما يحدث لآلاف الوافدين، الذين يشاركون في الإنشاءات الرياضية والفندقية ومشروعات الطرق الخاصة باستضافة قطر لبطولة كأس العالم (مونديال 2022).
وأمام الشهادات التي يرويها العمال عما يتعرضون له، بادر «الاتحاد الدولي لنقابات العُمال» باتهام قطر بأنها «بلدٌ بلا ضمير»، نظرًا لتواصل سقوط الضحايا (قتلى، ومصابين) في عمليات السخرة، التي تشرف عليها السلطات القطرية، ضمن عمليات التجهيز واسعة النطاق لاستضافة «مونديال 2022».
ولقي مئات العمال مصرعهم في ظل ظروف العمل القاسية، التي تفتقد لأدنى حقوق المعيشة، بينما تواصل آلة الدعاية القطرية (التي يقودها الخليفي) الحديث عن مزايا مخصصة للعمال، بينما الواقع يؤكد أن النظام الحاكم في الدوحة فشل في الوفاء بتعهداته المتتابعة بإنهاء الانتهاكات الواسعة لحقوق العمل، والعمل على تحسين أوضاعهم وظروفهم المعيشية.
ثورة
ومؤخرًا، نفذت جموع كبيرة من العمال موجة احتجاجات في المدن التي يعملون بها، بسبب ظروفهم المأساوية، لا سيما تأخر صرف رواتب بعضهم لفترات تتراوح بين 4 و7 أشهر متواصلة، نتيجة الظروف الاقتصادية وضعف أزمة السيولة القطرية منذ قرار المقاطعة العربية - الخليجية (التي تقودها السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) لقطر، المتهمة (وفق وثائق دامغة) بدعم ورعاية الإرهاب.
وواجهت السلطات الأمنية القطرية موجة الاحتجاجات الواسعة للعاملين في ستادات ومنشآت مونديال 2022 بكل عنف، دون أن تجرؤ وسائل الإعلام المحلية على الإشارة إلى ما يحدث في المدن القطرية من عنف غير مبرر ضد العمال البسطاء الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة، بينما تكفل الخليفي بإسكات الإعلام الدولي على طريقته التي يدير بها استثمارات الدوحة الخارجية (إعلاميًّا، ورياضيًّا).
غير أن وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي فضحت رد الفعل القطري الغاشم ضد آلاف العاملين في بناء وتجهيز المنشآت الرياضية المرتبطة بملف كأس العالم 2022، وكشف حريق (12 مارس الماضي) نشب في جانب من ستاد «الثمامة»، القطري (أحد ملاعب المخصصة لاستضافة كأس العالم 2022) عن الأجواء المشبوهة التي تدير بها قطر ملف منشآت كأس العالم، دون الإعلان عن إصابات وخسائر في الأرواح، على عكس الواقع المُر الذي يلقي بظلاله على هذا الملف.
مزاعم
وتزعم قطر أنها تدعم «العيش في سكن مريح ومزوّد بجميع المرافق التي يحتاجها العمال، مع تزويد جميع مرافق الرعاية الصحية بالتجهيزات وطواقم العمل الكافية، والتأكد من تسلم الرواتب كاملة ودون تأخير، وتمكين العمال من إرسال الأموال إلى بلدانهم بسرعة وسهولة...»!!
ويوضح الواقع (المدعوم بتقارير دولية مهمة صادرة عن الاتحاد الدولي للنقابات، منظمتي العمل الدولية، والعفو الدولية، فضلًا عن منظمة هيومان رايتس ووتش، منظمات حقوقية، وروابط عمالية) كلها تؤكد إهدار حقوق العمالة الوافدة التي تشارك في تنفيذ المنشآت الرياضية القطرية (على صعيد الظروف المعيشية، والرواتب المتدنية، وتأخير دفع الأجور أو عدم دفعها من الأساس، وإساءة المعاملة، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية، والأهم، حالات الوفاة المتتابعة...)؛ ما يعنى أن البنية التحتية لمونديال 2022، تتم بـ«دماء العمال».
وتعمدت السلطات القطرية رفض العديد من الشركات الدولية التي تتبنى معايير حاسمة بحماية وتعزيز حقوق عمالها، بداية من 26 شركة تقدمت بعطاءاتها للمشاركة في إنشاءات المونديال، وعندما أعلنت شركات عاملة بالفعل في المواقع أنه لا تنازل عن حقوق العمال جنبًا إلى جنب مع إنجاز الأعمال المطلوبة منهما، بادرت اللجنة العليا للبطولة القطرية بحظر التعامل مع 923 شركة كانت تورد العمالة الوافدة لنحو 35 دولة.
تحركات
وفي مواجهة احتجاجات مجموعات من العمالة الوافدة، واستغاثة البعض الآخر بالسفارات التابع لها، وهروب مجموعات أخرى في ظل العراقيل والإجراءات المعقدة التي تفرضها السلطات الأمنية القطرية، سارع النظام الحاكم في الدوحة (مدفوعًا بعامل الوقت الذي يحتم تسليم منشآت المونديال، وإعلان جاهزيتها) إلى حملة طرق أبواب بالتزامن مع فتح العشرات من مراكز التأشيرات (مراكز تأشيرات قطر في الخارج) لجلب عمال جدد من الهند وباكستان وإندونيسيا، فضلًا عن سريلانكا وبنجلاديش، ونيبال، والفلبين، وتونس، وغيرهما.
وفي سياق عمليات التغرير الممنهجة، يجري تسويق رسائل ترويجية مصورة تجهزها ما يسمى بـ«إدارة الخدمات المساندة للاستقدام بوزارة الداخلية القطرية»، كما تتبنى عملية تسويق الرسائل الترويجية نفسها الشركات الموردة للعمالة الوافدة بمعرفة أمين لجنة المشاريع القطرية الخاصة بكأس العالم، حسن الذوادي، الذي يعمل تحت إشراف محمد بن حمد، وجوعان بن حمد آل ثاني، ومهمة اللجنة إتمام المشاريع والاستادات المرشحة لاستضافة مونديال 2022.
وحسن الذوادي (الأمين العام للجنة العليا للمشاريع، منذ في مارس 2011، وقبلها الرئيس التنفيذي للجنة ملف قطر) كان يعمل محاميًا، تحول بقدرة قادر من خلال علاقته الخاصة بتميم بن حمد، المستشار العام في جهاز قطر للاستثمار، وشركة قطر القابضة اللتين تأسستا عام 2005 وشركة كتارا للضيافة (الوطنية للفنادق، سابقًا) وشركة سكك الحديد القطرية، وشركة الديار القطرية، كما يشغل العديد من المناصب في مجالس الإدارة واللجان في جامعة قطر، وبنك قطر الدولي الإسلامي، ومشيرب العقارية وحصاد الغذائية.
تغرير
حتى ما يسمى بـ«المنتديات التي جرى تشكيلها بزعم نقل هموم العمال إلى الشركات التي يعملون بها، عبر اختيار ممثلين عن العمال من كل جنسية بهدف ضمان سماع أصواتهم»، وفق رواية السلطات القطرية لم تكن في واقع الأمر سوى وسيلة أخرى للتغرير بالمؤسسات والمنظمات الدولية التي تبنت الدفاع عن حقوق العمالة الوافدة في قطر، التي لن ولم تقل بالطبع أن من تم اختيارهم للحديث باسم آلاف العمال يجرى إغداق الأموال والمكتسبات عليهم، حتى يشاركون في ترويج الرواية الرسمية، والتمويه على الجرائم التي تتم ضد العمال وحقوقهم المهدرة.
واستغلت قطر سيطرتها على عناصر قيادية (عبر عمليات الإنفاق المالي) في «الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب»، وشركة «إمباكت ليميتد» للرقابة الخارجية على أوضاع العمال، في محاولة تحسين صورتها في ملف أزمة العمال، كما يستعين النظام القطري بعشرات المحللين من أصحاب المواقف «المدفوعة مقدمًا»، ومنهم المحلل الرياضي البريطاني، مارتن روجرز، الذي نشر مقالًا في (USA Today) يدافع فيه عن تنظيم قطر لكأس العالم 2022، دون أن يتطرق للجرائم التي ترتكبها قطر بحق العمال الوافدين.