بنهاية موسم الانتقالات الصيفية في القارة الأوروبية، أكَّد نادي باريس سان جيرمان الفرنسي أنَّه الأكثر تحديًا لإرادة نجومه، بما في ذلك الذين عبروا علانية عن شعورهم بالاختناق النفسي جراء الوجود في صفوف الفريق الطامح، منذ سنوات، للفوز بدوري أبطال أوروبا.
الأمر لا يتعلّق بقواعد الاحتراف أو قوانين السوق، فكثيرة هي الأندية التي تجاوزت الأمرين معًا ونزلت عند رغبة لاعبيها في الرحيل، وذلك على غرار ما فعل ليفربول الإنجليزي مع فيليبي كوتينيو عندما أصرَّ على الانتقال إلى برشلونة مطلع عام 2018، وكذلك مواطنه تشيلسي مع البلجيكي ادين هازارد، الذي بات منذ بداية الموسم الجاري، لاعبًا في صفوف ريال مدريد ، رغم دوره المركزي في خطط الفريق اللندني.
أمَّا باريس سان جيرمان، فيبدو أكثر ميلًا للانتقام من نجومه الذين يفكرون في المغادرة، مفضلين عليه أندية أخرى، ولا أدلَّ على ذلك من مسلسل التخبطات الذي حدث مع الثلاثي: ماركو فيراتي (صيف 2017)، أدريان رابيو( شتاء 2019)، ثم نيمار جونيور الذي توقفت عملية انتقاله إلى برشلونة، بتوجيه من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد المالك الفعلي للنادي، على ما أفادت مصادر متعددة.
وبعد إجبارها الإيطالي ماركو فيراتي في عام 2017 على البقاء في النادي، وتجميدها للدولي الفرنسي أدريان رابيو لستة أشهر، بسبب رفضه تجديد تعاقده، أحبطت إدارة باريس سان جيرمان، مساء الاثنين، صفقة انتقال نيمار إلى فريقه السابق برشلونة، بعد مارثون من المفاوضات الشاقة بين الجانبين.
وأبلغ نيمار إدارة النادي برئاسة ناصر الخليفي، رجل تميم في المجال الرياضي، رغبته في الرحيل، ما دفع عددًا من الأندية الأوروبية الكبرى كريال مدريد ويوفنتوس ومانشستر يونايتد لطرق أبواب الصفقة، قبل أن يتمكن برشلونة، الفريق السابق للاعب، من التقدُّم في السباق، بتقديمه عددًا من العروض الضخمة، ومنها دفع 130 مليون يورو ومعها ثلاثة من نجوم «البلاو جرانا» يبلغ إجمالي قيمتهم قرابة 150 مليون يورو، أو سداد 170 مليون يورو على دفعتين، تضاف لـ 40 مليون يورو مقابل استعارة اللاعب البرازيلي لموسم سابق على إتمام الشراء.
لكن إدارة باريس سان جيرمان ظلّت، كما قالت تقارير إعلامية فرنسية، محتفظة بقرارها النهائي حتى اللحظات الأخيرة في موسم الانتقالات، مكتفية بتصريحات ضبابية من جانب مديرها الرياضي ليوناردو حول ضرورة توافر عرض مناسب للقبول بإتمام الصفقة، فيما كان مسؤولو برشلونة يؤكدون- عبر الصحف المقربة منهم- اقتراب لحظة الحسم، بالنظر إلى أنَّ رغبة اللاعب ترجح توقعاتهم، لا سيما بعد إعلان استعداده لسداد 20 مليون يورو من حسابه الشخصي للوصول لرقم يرضي «القطريين».
كان نيمار يحاول بهذه الخطوة أن يقصر المسافة، التي ظنها تقاس بالمال فحسب، لكن إدارة الفريق الباريسي رأت في هذا التصرف إهانة جديدة لها، فرفعت مطالبها لإتمام الصفقة إلى 300 مليون يورو، رغم علمها بأنَّ برشلونة لن يستطيع الدفع، سواء لعدم امتلاكه هذا المبلغ الخرافي، أو لالتزامه بقوانين اللعب النظيف.
وسبب تعنُّت النادي الباريسي مع نيمار في ترسيخ شعور سلبي لدى جماهير برشلونة تجاه أمير قطر والخليفي، اللذين يصرّان– وفق نقاشات بمواقع التواصل الاجتماعي- على تحدّي النادي الكتالوني، ردًا على قرار الإدارة الحالية برئاسة جوسيب ماريا بارتوميو على عدم تجديد عقد الرعاية مع «مؤسسة قطر»، بعد أن طالتها شبهات فساد تلاحق الدوحة في عددٍ من المحافل الرياضية الدولية.
ووفق صحفية «لو باريسيان» فإنَّ نادي باريس سان جيرمان تعمد مضاعفة سعر لاعبه البرازيلي، ردًا على مطالبته بالعودة إلى برشلونة خلال فترة الانتقالات الصيفية الحالية. وقالت الصحيفة: إنَّ نادي العاصمة عملت على وضع العراقيل أمام برشلونة في كل خطوة من خطوات التفاوض للتعاقد مع نيمار، موضحةً أنَّ باريس سان جيرمان تعمد المغالاة في سعر اللاعب؛ حيث طلب الحصول على 300 مليون يورو للاستغناء عنه، بزيادة 80 مليونًا عن المبلغ الذي تعاقد به معه، في عام 2017.
وبشكل واضح، أرجعت الصحيفة تعنُّت النادي الفرنسي إلى الإهانة التي شعر بها بعد طلب نيمار الرحيل عن النادي في الصيف الحالي والعودة إلى صفوف برشلونة بعد موسمين فقط من رحيله.
من جهتها، قالت صحف «ليكيب»: إنَّ نيمار غاضب للغاية من فشل انتقاله إلى صفوف نادي برشلونة، وبقائه لمدة عام آخر في صفوف النادي الباريسي، مشيرةً إلى أنَّ اللاعب سيصبح مصدرًا للقلق، لقناعته بتعنُّت الإدارة معه.
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ المدير الرياضي للنادي باريس، وكذلك المدير الفني للفريق توماس توخيل يؤكّدان أنَّ عودة نيمار للتكيف مع زملائه في الفريق ستكون صعبة للغاية، وهو الأمر الذي قد يجعل النادي الباريسي يوافق على رحيل اللاعب في أقرب فترة انتقالات ممكنة.
وتتشابه تفاصيل قصة نيمار الأخيرة، مع ما تعرُّض له لاعب الفريق ماركو فيراتي عام 2017، عندما رفضت الإدارة انتقاله إلى برشلونة أيضًا، فخرج وكيل أعماله للحديث عما سماه «سجن الأمير»، في إشارة إلى تميم بن حمد، لكن النهاية كانت مختلفة بعض الشيء، إذ تمكن المالك القطري، وفق التقارير الإعلامية المتداولة وقتها، من إغراء الدولي الإيطالي ماليًا، كي يستمر مع النادي، مع دفعه لتكذيب وكيله، ثم الانفصال عنه.
وكان لافتًا أنَّ فيراتي بالذات، تقدم المطالبين بالاستجابة لرغبة نيمار بالرحيل، داعيًا في تصريحات صحفية، إدارة ناديه إلى عدم وضع العراقيل أمام أي لاعبٍ يرغب في الرحيل.
وقال فيراتي: «من المؤكّد أنني سأشعر بإحباط إذا ما رحل لأنه لاعب كبير.. شخصيًا أرغب في أن يبقى»، لكنَّه استدرك قائلًا: «أعتقد أنه إذا كان هناك أحد اللاعبين يرغب في الرحيل فإنّه سيجد طريقة لذلك على أي حال، من الأفضل أن يرحل هذا اللاعب؛ لأنه إذا حدث العكس فإنَّ النادي بهذا يكون قد احتفظ بلاعب يناهضه».
وخلال السنوات الماضية، سعى المالك القطري لنادي العاصمة الفرنسية لاستقطاب أبرز نجوم الكرة العالميين، مثل ديفيد بيكهام وزلاتان ابراهيموفتش وجان لويجي بوفون، غير أن الفريق لم يتمكن من تحقيق هدفه الرئيس وهو الفوز بدوري أبطال أوروبا.