

تمثّل المتاحف والمواقع الثقافية في مكة المكرمة أحد المحاور الرئيسة الداعمة لمسار السياحة الثقافية، وأحد الممكنات المهمة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، من خلال تنويع التجربة السياحية، وربط قدسية المكان بعمقه التاريخي والثقافي والمعرفي.
وشهدت مكة المكرمة خلال الأعوام الأخيرة توسعًا ملحوظًا في عدد المواقع الثقافية ونوعيتها، التي تعمل على توثيق تاريخ المدينة، وإبراز مكانتها الدينية والحضارية، وتقديم محتوى معرفي متكامل يستهدف الحجاج والمعتمرين والزوار من مختلف الجنسيات.
وتشير تقديرات ثقافية إلى أن هذه المواقع تستقبل مئات الآلاف من الزوار سنويًا، ضمن برامج ثقافية وتعليمية منظمة تسهم في رفع مستوى الوعي بتاريخ مكة المكرمة.
ويبرز في هذا السياق معرض عمارة الحرمين الشريفين الذي يُعد من أبرز المعارض المتخصصة في توثيق تاريخ وعمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي، من خلال معروضات تاريخية، ونماذج معمارية، وصور ووثائق نادرة، تُبرز مراحل التوسعة والتطوير التي شهدها الحرمان الشريفان عبر العصور الإسلامية المختلفة.
ويُعد حي حراء الثقافي من المواقع الثقافية الحديثة التي أسهمت في إثراء المشهد الثقافي بمكة المكرمة، حيث يضم مرافق معرفية وتفاعلية، من أبرزها معرض الوحي، الذي يقدّم تجربة ثقافية ومعرفية تسلط الضوء على سيرة الوحي وبدايات الرسالة الإسلامية، باستخدام تقنيات عرض حديثة ولغات متعددة.
وتحتضن مكة المكرمة كذلك متحف مكة المكرمة، الذي يعرض تاريخ المدينة الاجتماعي والعمراني، ويقدّم سردًا تاريخيًا لتطور الحياة المكية، إلى جانب مقتنيات وصور ووثائق توثّق مراحل مختلفة من تاريخ مكة، ما يجعله محطة معرفية مهمة للزوار والباحثين.
وفي إطار تفعيل الدور الثقافي لهذه المواقع، شهدت مكة المكرمة تنظيم عدد من الفعاليات المصاحبة، من أبرزها "ملتقى تاريخ مكة المكرمة" الذي عُقد بمشاركة نخبة من الأكاديميين والمؤرخين، ناقشوا خلاله مصادر تاريخ مكة، وأهمية التوثيق العلمي للمواقع التاريخية، كما نُظّمت ندوات علمية متخصصة خلال شعبان 1446هـ تناولت العمارة المكية، ودور المتاحف في حفظ الذاكرة المكانية.
وخلال موسم العمرة (1446هـ - 1447هـ)، أقيمت معارض وثائقية مؤقتة داخل عدد من هذه المواقع، استعرضت صورًا تاريخية نادرة لمكة المكرمة، إلى جانب تنظيم ورش عمل وبرامج تعليمية استهدفت طلاب الجامعات، والمرشدين السياحيين، والعاملين في القطاع الثقافي؛ بهدف رفع جودة المحتوى الإرشادي وتعزيز المعرفة بتاريخ المدينة.
وأصبحت المتاحف والمواقع الثقافية في مكة المكرمة منصات معرفية متكاملة، تسهم في إثراء تجربة الزائر، وتقديم محتوى علمي موثوق يعكس عمق المكان ومكانته الحضارية.
وتنسجم هذه الجهود مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تنمية القطاع الثقافي ورفع مساهمته في الاقتصاد الوطني؛ إذ تُعد السياحة الثقافية أحد المسارات الواعدة لزيادة مدة إقامة الزائر، وتحسين جودة التجربة السياحية، ورفع مستوى الإنفاق، وتسهم هذه المواقع في تعزيز الهوية الوطنية، وتعريف الزوار بتاريخ مكة ودورها المحوري في التاريخ الإسلامي.
ويؤكد المختصون في الشأن الثقافي أن الاستثمار في المتاحف والمواقع الثقافية بمكة يُعد استثمارًا في الوعي والهوية، ويعكس توجهًا إستراتيجيًا لجعل الثقافة جزءًا أساسيًا من تجربة الحاج والمعتمر.
ويعكس هذا الحراك الثقافي المتنامي توجّهًا واضحًا لجعل مكة المكرمة مدينة تجمع قدسية المكان وعمق المعرفة، وتقدّم نموذجًا متكاملًا للسياحة الدينية والثقافية، بما يعزز مكانتها العالمية، ويؤكد دور الثقافة رافدًا من روافد التنمية المستدامة.