عُرفت محافظة تربة أحدى المحافظات الشرقية لمنطقة مكة المكرمة بأهميتها التاريخية منذ أمد بعيد كونها معلماً مهماً يرصد ملامح الحياة الاجتماعية والثقافية.
وتحتضن صوراً ومشاهدَا تراثية دلت على المكانة الاقتصادية القوية التي كانت تعيشها المحافظة في تلك الحقبة الزمنية.
وتشتهر المحافظة بقلاعها وقصورها التاريخية وبالمواصفات الفنية المختلفة التي تعطي طابعًا جماليًا مختلفًا للمنطقة وبيئتها، حيث اهتمت الأيدي العاملة في تلك الحقبة في بناء قصورهم وأسواقهم بالمواصفات الهندسية الدقيقة المناسبة لبيئة المنطقة؛ سواء في أوصافها خارجياً أو داخلياً، وكذلك توزيع شبكات الري للمساكن لوصول المياه العذبة للشرب، وكذلك الاهتمام الكبير بالغطاء النباتي، بما في ذلك الطابع التكويني الغريب الذي تحمله القصور.
وتعد قلعة شنقل إحدى أهم القلاع في تربة وكانت مقرًا للحكم القضائي، حيث تبلغ مساحتها 3000 م2 تقريبا، ويبلغ ارتفاع أسوارها ما بين 6 إلى 7 أمتار، ويتبع لها حصن صغير يسمى المربعة مكون من دورين للمراقبة والجانب الأمني، وللقلعة بوابة واحدة من الجهة الشمالية، وبها حوالي ثلاثين غرفة تشمل مجلس قضاء وغرف سكن ومسجد ومخازن مؤونة وباحة صغيرة، وبها مربط صغير للخيل، وتم بناء قواعدها ونصفها السفلي من الحجر، والنصف العلوي من اللبن وسقفها من أعواد الأثل والسعف وجذوع النخل القِوام .
كما تضم سوق الحیّط الذي يقع في حي العلاوة بمحافظة تربة ويعتقد أن هذا المسمى مشتق من اسم الحائط حيث كانت الأسواق قديماً تحاط بأسوار أو حيطان لحمايتها، ويتكون هذا السوق من عدد من الدكاكين مستطيلة الشكل إضافة الى مسجد وبعض الدور السكنية، يبلغ عدد الدكاكين 20 دكاناً كانت تبيع المواد الغذائية والأقمشة والفوانيس والكاز إضافة إلى محل نجار وآخر حداد، كما يجلب البدو منتجاتهم من السمن والإقط والجلود والأغنام إلى هذا السوق يوم الجمعة، وقد ظلت الحركة التجارية تنشط به بشكل مستمر.
واستخدم الآباء والأجداد العديد من مواد البناء كالطين اللبن الذي يتم تقويته أحياناً بالتبن أو الحصى الصغيرة في بناءه، حيث ترتكز مباني السوق على أساسات من الحجر المتوفر في البيئة المحلية، وتتكون أسقف المباني والدكاكين من جذوع أشجار الأثل، وتفرش جذوع النخيل عليها بالحصائر من سعف النخيل ويتم تغطيتها بطبقة من الطين لتقويتها ولمنع تسرب مياه الأمطار، كما صنعت الأبواب من الأخشاب المتميزة المقطوعة من أشجار السدر.
ويقول أستاذ التاريخ السعودي المشارك بجامعة الطائف الدكتور مترك السبيعي؛ إن المتمعن في تفاصيل الحياة الحضارية في تربة "اجتماعية وثقافية وأثرية" لاحظ جلياً عبق التاريخ، وروح المكان المرتبطة بكل تفاصيل الماضي، حيث العادات والتقاليد التي تميز بها أهل البلدة أباً عن جد، وانعكاس ذلك على حياتهم اليومية، ومناشطهم المعتادة، وتعاملاتهم المختلفة، وكان الاعتماد ذاتي على إمكاناتهم ومقوماتهم الطبيعية والمادية هي سر قوتهم، فتميزوا بالصبر والجلد في ظل ظروف قوية استطاعوا التغلب عليها جميعا.
استطاع أهالي محافظة تربة تنويع مقومات حياتهم عبر التاريخ منذ أقدم عصوره، فكانت الزراعة ووفرة المياه عاملا رئيسا في قوتهم الاقتصادية، وكان الرعي وتربية الماشية يردف هذا العامل قوةً، ويكتملان في أشكال الكمال والرخاء وسد الحاجة للبلدة التي أصبحت مع مرور أزمان التاريخ مقصدًا لكل ناشط اقتصادي من دخل الجزيرة العربية وخارجها، خاصةً وهي البلدة ذات الموقع الاستراتيجي المتميز على طرق قوافل التجارة ثم الحج قبل الإسلام وبعده، كما انعكس فكر إنسان تربة على أسواقها ومبانيها التي شكلت أنواع فنون العمارة المختلفة.