تشكل الآثار والنقوش الصخرية خلال فترة صدر الإسلام بنجران، مصدرًا تاريخيًا مهمًا لتوثق الحياة الاجتماعية خلال تلك الحقبة الزمنية، وشواهد تاريخية للاستدلال على الموروث الإنساني الذي عاش في المكان قبل آلاف السنين، وبمثابة دلائل مادية محسوسة على عراقة الحضارة الإسلامية وانتشار تراثها النفيس.
ووثّقت وكالة الأنباء السعودية في جولة ميدانية بمدينة نجران، العديد من النقوش والرسومات الأثرية القديمة التي يعود بعضها إلى بدايات القرن الأول الهجري، في جبال الذرواء، و«الدريب»، و«قرن الزعفران»، و«المركب»، التي تنوعت نصوصها بين أبيات شعرية، وآيات قرآنية، وعبارات وعظية، وأدعية، وأسماء أشخاص, وغيرها من النقوش المكتوبة بالخط المسند والنبطي والكوفي، التي تؤكد العمق الحضاري والتاريخي للمنطقة خلال القرون الثلاثة قبل الإسلام.
وتبرز النقوش الصخرية في جبل «الذرواء» الواقع في جنوب غابة سقام، العائدة لفترة صدر الإسلام، والمنحوتة بشكل بديع وبلغة تحكي سيرة وحياة السابقين, وحضاراتهم، وتفاصيل الأحداث التي مروا بها في مرافق هذا المكان وأزمانه المختلفة، وكذلك في جبل «المركب»، والدريب، اللذين يحويان نقوشًا مهمة ورسومًا صخرية جميلة تعكس التطور الحضاري الذي وصل إليه الإنسان في اهتمامه بالتاريخ، وحفظه بالنحت على صخور الجبال.
وفي الجهة الجنوبية الشرقية لوادي نجران يبرز «قرن الزعفران» كموقع أثري مبني من الصخور يعود تاريخيه لفترة بناء مدينة الأخدود وفق الاكتشافات الأثرية التي أظهرت وجود نقوش ورسوم صخرية، تعود إلى فترات متفاوتة، كما أظهرت وجود أساسات موقع أثرى مبني من الصخور، ربما يعود لنفس فترة بناء مدينة الأخدود الأثرية، وذلك لما يحمل من سمات إنشائية مشابهة، تقول بعض الأطروحات، إنه قد يكون مسكن حكيم نجران الأشهر قس بن ساعدة الأيادي عندما كانت قبيلة «إياد» تسكن في نجران في الجهة الشرقية للمبنى، وعلى الطرف الشمالي للجبل الأقرب توجد نقوش صخرية مهمة تمت دراستها من قبل العديد من الباحثين.
وتحرص هيئة التراث على مواصلة أعمالها الميدانية لتسجيل الآثار والنقوش الأثرية بالمنطقة، حيث بلغت المواقع الأثرية والتاريخية بنجران 199 موقعًا أثريًا وتاريخيًا مسجلًا، فيما تتوالى الاكتشافات للمواقع والنقوش والرسومات التي دوّنتها الحضارات المتعاقبة على المكان نظرًا لأهمية موقع نجران الإستراتيجي الذي كان ممرّ لقبائل غرب ووسط الجزيرة العربية، ووجودها بين دول ذات حضارات، الأمر الذي جعلها مركزًا مهمًا عبر طريق التجارة القديم، الذي يتجه إلى شمال شرق الجزيرة العربية، وصولًا إلى بلاد ما بين النهرين ومكة المكرمة والمدينة المنورة والعلا ثم البتراء وبلاد الشام ومصر.
وأكد الباحث التاريخي محمد آل هتيلة، أن منطقة نجران تمتاز بكثرة النقوش الإسلامية في مواقع عديدة وبأحجام وأشكال مختلفة، و ترتكز في معظمها على أسماء أعلام، وألقاب وأقوال مأثورة وحكم وأشعار، مما يعطي دلالات على أن نجران كانت منطقة استيطان حضاري، وأنها كانت موقعًا مهمًا على طريق التجارة القديمة، وذلك لما تتمتع به من موقع مناسب، وأجواء مناسبة، ووفرة المياه وخصوبة الأرض.
ولفت إلى أهمية مواصلة اكتشافات النقوش بالمنطقة، ودراستها من قبل الجهات المختصة، للتعرف على البيئة التي وجد فيها هؤلاء الأشخاص عبر الأزمنة، والاطلاع على إنتاجهم الفكري والثقافي.