أثارت سيطرة حركة «طالبان» السريعة على العاصمة الأفغانية كابول وكافة المدن الرئيسية تساءؤلات عدة تتعلق بما سيعنيه ذلك لمستقبل التنظيمات الجهادية الأخرى، وعلى رأسها تنظيم «القاعدة»، وهل سيدفعها ذلك إلى أن تحذو حذو «طالبان» سواء في أفغانستان أو في بلدان أخرى؟.
وما لا شك فيه أن الانتصار السريع الذي حققته «طالبان» سيعزز بشكل كبير التنظيمات الجهادية في البلدان الأخرى، سواء «القاعدة» أو «داعش» أو المقاتلين الإسلاميين في موزمبيق وسوريا والصومال، وحتى التابعين لهم في العواصم الأوروبية، كما قالت صحيفة «ذا جارديان» البريطانية، مساء الأحد.
وعكست تصريحات وزير الدفاع البريطاني، بين والاس، المخاوف التي تعتري العواصم الأوروبية من الأوضاع في أفغانستان، إذ قال لـ«سكاي نيوز» إنه «يشعر بقلق بالغ من كون الدول الفاشلة تمثل أراضي خصبة لمثل هذه التنظيمات»، متوقعًا عودة قريبة لتنظيم «القاعدة».
لكن الصحيفة البريطانية رأت أن «والاس محق في خوفه بشأن الدول الفاشلة، لكنه ليس محقًا بشأن القاعدة، لأن التنظيم لم يختفي قط من أفغانستان ولايزال يملك نفوذه هناك».
خطر تنظيم «القاعدة»
وأكد تقييم نشرته الأمم المتحدة، الشهر الماضي، يعتمد على معلومات جمعها من الدول الأعضاء، أن تنظيم «القاعدة» موجود بقوة في 15 محافظة أفغانية على الأقل، وأن تنظيم «القاعدة في شبه القارة الهندية» يعمل تحت مظلة وحماية «طالبان» في محافظات قندهار وهلمند ونمروز.
ومن غير الواضح ما الموقف الذي ستتخده «طالبان» بالنسبة إلى «القاعدة» وغيرها من التنظيمات الجهادية، رغم تعهدها خلال مباحثات السلام بمنع عمليات تدريب وتجنيد المقاتلين التي من شأنها الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، كما أنه من غير الواضح كيف ستتفاعل «القاعدة» مع الأحداث الأخيرة.
وقالت الصحيفة: «أصبح انتصار المجاهدين الأفغان أمام السوفييت بالعام 1989 أسطورة ساهمت بشكل كبير في صعود الحركة الجهادية العالمية المعاصرة بأكملها، رغم الدور الضئيل الذي لعبته القاعدة في الحرب. وهزيمة قوة عظمى أخرى على يد عصابة جديدة من المقاتلين الأفغان هي انتصار دعائي هائل في وقت تشتد فيه حاجة هذه الجماعات إلى رواية جديدة. القاعدة، مثل كل الآخرين، ستشعر بالنشوة، ولكن ماذا تفعل بالضبط؟».
فشل أمريكي
ورأت «ذا جارديان» أن أحد الأسباب العديدة لفشل الولايات المتحدة في أفغانستان هو عدم القدرة على التفريق خلال سنوات الحرب الأولى بين تنظيم «القاعدة»، وهو مجموعة صغيرة نسبيًا من المقاتلين العرب هدفهم الإطاحة بالأنظمة في الشرق الأوسط ومقاتلة الغرب، و«طالبان»، الحركة الأفغانية الرجعية ذات جذور عرقية وقومية قوية، هدفها فرض حكم ديني صارم على دولة واحدة.
ولفتت إلى أن العلاقات بين «طالبان»، التي تضم فصائل عدة، و«القاعدة» تطورت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، تخللها الانقسام في بعض الأحيان. ومع مرور الوقت، تشكلت علاقات شخصية وروابط عائلية، مع وجود قادة شبكات مسلحة أخرى كوسطاء.
ورغم اختلاف الأولويات بينهما، تحمل «طالبان» وعي عالمي أكبر مما كانت عليه قبل 20 عامًا، وتتشارك عناصر من النظرة العالمية لـ«القاعدة» بطرق جديدة ومهمة، فيما وصفته أجهزة المخابرات الأمريكية بـ«علاقة وثيقة».
وقالت الصحيفة: «حتى إذا لم تحاول القاعدة الاستفادة من الأوضاع الجديدة في أفغانستان، سيقوم آخرون بذلك. سيحاولون ذلك سواء بتشجيع من الحكام الأفغان الجدد، أو ضد رغبتهم، لكنهم سيحاولون على أي حال».
وفيما تحاول «طالبان» الفوز بالاعتراف الدولي، كما فعلوا سابقًا حينما سيطروا على الحكم قبل الغزو الأمريكي، يظل التساؤل ما هي التنازلات التي يرغب قادة «طالبان» في تقديمها لتحقيق هذا الهدف.