«فيتنام».. كيف تحولت من براثن الفقر إلى قيادة التكنولوجيا عالميًّا؟

بمزيد من الاستثمارات في التعليم والبنية التحتية
«فيتنام».. كيف تحولت من براثن الفقر إلى قيادة التكنولوجيا عالميًّا؟

أصبحت فيتنام قوة محورية عالمية في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطوير البرمجيات، بفضل الدعم الحكومي لدفع «الثورة الصناعية الرابعة» كأولوية استراتيجية وإنمائية رئيسية للبلاد.

وتُعتبر تلك الحالة الاقتصادية المُزدهرة في فيتنام أمرًا مُدهشًا باعتبار أنها كانت من أفقر دول العالم في السبعينيات، وفي نحو 30 عامًا استطاعت إخراج نصف سكانها من براثن الفقر إلى حياة اقتصادية مُعتدلة.

وفي طريقها نحو التقدم الاقتصادي، اهتمت فيتنام بالإصلاحات في الداخل عن طريق توجيه الاستثمارات العامة إلى التعليم وبناء البنية التحتية.

وفتحت تلك الإصلاحات المجال أمام عدد كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء البلاد حتى أصبحت فيتنام منافسًا قويًّا للقادة الإقليميين، كسنغافورا وإندونيسيا، في مجال الشركات الناشئة.

ووفقًا للبنك الدولي، أنفقت فيتنام نسبة هائلة بلغت 5.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، أي أعلى من متوسط الإنفاق في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (مجموعة من الاقتصاديات المتقدمة)، متصدرةً القوى الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا وأستراليا والمملكة المتحدة.

تسارع النمو الاقتصادي

ويتمتع اقتصاد فيتنام بتاريخ مثير للاهتمام؛ فعلى غرار الصين، تتمتع فيتنام باقتصاد سوق اشتراكي شبه مفتوح. ومثل الصين، حررت فيتنام اقتصادها من خلال إطلاق إصلاحات Doi Moi في الثمانينيات، بعد وقت قصير من إصلاحات Deng Xiaoping حتى أصبحت فيتنام اليوم واحدة من أكبر سلاسل التوريد الصناعية في العالم، وقادرة على منافسة الصين بجودتها العالية في إنتاج الصناعات التحويلية في منتجات مُتعددة مع توفير تكاليف إنتاج أقل.

وفيتنام ليست مركزًا للتصنيع فحسب؛ ففي العقود الماضية، وضعت فيتنام موطئ قدم قويًّا في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويعد نمو اقتصاد الإنترنت في فيتنام -الذي يغطي السفر عبر الإنترنت، والتجارة الإلكترونية، والوسائط عبر الإنترنت- مؤشرًا واضحًا على التقدم الاقتصادي فيها؛ حيث بلغ معدل النمو السنوي المركب 38٪ بين عامي 2015 و 2018.

وعلى مدى العقد الماضي، ظل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في فيتنام في ارتفاع، مُتقلبًا بين 6-8٪ في العام الماضي، وهذا على عكس جيرانها الآسيويين؛ حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات الآسيان الخمسة الأكثر تطورًا (إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورا، وتايلاند) من 5.5٪ إلى 4.5٪ في الربع الأخير من العام الماضي.

ونما اقتصاد فيتنام 7.1% في العام الماضي مقارنةً بـ6.8% في عام 2017، في حين اجتذبت عددًا كبيرًا من الشركات المتعددة الجنسيات، بما فيها إنتل وسامسونج وإل جي، وكلها قامت باستثمارات ضخمة. وفي الوقت نفسه، نما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 231 دولارًا أمريكيًّا في عام 1985 إلى 2343 دولارًا أمريكيًّا في عام 2017.

وعلى عكس جيرانها، يُظهر اقتصاد فيتنام علامات على التوسع؛ حيث نما الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي (FDI) في فيتنام بأكثر من سبع مرات بين عامي 1996 و2018. وشهد الربع الأول من عام 2019 ارتفاع الاستثمار الأجنبي في فيتنام بنسبة 86.2%، ليصل إلى 10.8 مليار دولار أمريكي؛ علمًا بأن الاستثمار الصيني يُمثل حوالي نصف ذلك، وفقًا لصحيفة سيكيوريتيز تايمز الحكومية الصينية.

التكنولوجيا قاطرة النمو

وفي حين لم تشهد فيتنام ركودًا منذ أكثر من 30 عامًا، رأى المحللون أن تعزيز الاقتصاد المحلي جاء نتيجةً أساسيةً للتطورات التكنولوجية، التي قادت الطريق إلى إخراج الاقتصاد الفيتنامي من وضع الدخل المتوسط إلى الدخل المُرتفع؛ حيث يُتيح استخدام التقنيات والدعم لشركات التكنولوجيا للاقتصاد الفيتنامي تحقيق مزيد من النمو المُرتفع في فترة أقصر.

وفي وقت سابق من مايو الجاري، ذكرت «OpenGov Asia» أن فيتنام تستعد للانتقال إلى دولة صناعية بحلول عام 2045، بهدف تعزيز الإبداع والتكنولوجيا في مختلف القطاعات؛ حيث تتطلع الحكومة الفيتنامية -بدءًا من العام الجاري- إلى اعتماد خطة التحول الرقمي التي من شأنها أن تساعد في تعزيز صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلاد؛ وذلك من خلال حث كل من شركات التكنولوجيا العامة والخاصة على تبني استراتيجيات الرقمنة الكاملة.

وظل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في فيتنام آخذًا في الارتفاع وموثوقًا به عالميًّا على مدى السنوات الماضية. وتشمل مجموعة شركات فيتنام العالمية Microsoft وDeutsche Bank وGoogle وCISCO وDisney على سبيل المثال لا الحصر. وفي عام 2017، أفادت التقارير بأن فيتنام قد صدَّرت ما قيمته 71 مليار دولار أمريكي من صافي منتجات التكنولوجيا العالية.

عوامل داعمة للتقدم التكنولوجي

ويقول فنسنت ماك الباحث المُشارك بكلية S. Rajaratnam للدراسات الدولية، وجامعة نانيانج التكنولوجية، إن هناك عوامل رئيسية لظهور فيتنام كعملاق محتمل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأهمها احتواء فيتنام على مجموعة المواهب في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في فيتنام؛ حيث يرتفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة إلى نسبة 93.7٪ مع أكثر من 400 جامعة وكلية تستضيف 1.6 مليون طالب.

وتستضيف فيتنام أيضًا ثاني أكبر مجموعة من الموارد البشرية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في آسيا؛ حيث يوجد ما يقرب من 300 ألف من خريجي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من الجامعات والكليات والمعاهد المهنية يدخلون سوق العمل كل عام.

وتشتهر فيتنام بأنها مركز عالمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مع شركات مثل FPT Information Systems وحلول TMA التي تخدم العملاء في أكثر من 30 دولة حول العالم. وتجدر الإشارة أيضًا إلى امتلاك فيتنام شركة Global Cybersoft (المعروفة الآن باسم Hitachi Consulting Vietnam)، وهي شركة استشارية في مجال تكنولوجيا المعلومات مقرها في فيتنام تم شراؤها بواسطة شركة Hitachi في عام 2014 التي تضم 120 عميلًا وشريكًا في 18 دولة.

التوجه نحو العالمية

وتدور المحادثات في الوقت الراهن حول قدرات فيتنام على التحول إلى العالمية، بعد أن حث السفير الأمريكي في فيتنام دانييل ج. كريتينبرينك، الشركات الفيتنامية على الاستثمار في الأعمال التجارية الأمريكية؛ وذلك باعتبار أن الولايات المتحدة هي أكبر سوق تصدير محتمل إلى فيتنام.

ويأتي هذا الاقتراح في الوقت الذي ينضج فيه الاقتصاد الفيتنامي؛ ما يدفع المزيد من الشركات إلى التفكير فيما إذا كان هذا هو الوقت المناسب لها لاتخاذ الخطوة التالية في نموها والتوسع خارج حدود البلاد.

وتعتقد فيتنام أنه سيكون إنجازًا كبيرًا إذا انتقلت الشركات إلى المستوى العالمي، فلم تعد مهمتها مجرد شحن البضائع إلى الخارج، ولكن يُمكنها أيضًا إنشاء عمليات ومكاتب في الخارج. وبالفعل قامت بعض الشركات بذلك، سواء كانت شركة FPT للإلكترونيات متجهة إلى اليابان أو شركة الاتصالات السلكية واللا سلكية Viettel التي تخدم أسواقها من بوروندي إلى بيرو.

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa