اعترف رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، اليوم الإثنين، بأن «لبنان أشبه بسفينة ستغرق إن لم تُتخذ الإجراءات اللازمة»، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية والسياسية الشديدة التي تعيشها البلاد، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، عن صحيفة «الجمهورية»، التى نسبت إلى بري قوله «جهود تشكيل حكومة جديدة تمر بحالة جمود تام في انتظار أن تطرأ مستجدات في أي لحظة».
ويعاني لبنان من دين عام ثقيل وركود اقتصادي وسقط في هوة الاضطرابات السياسية منذ أن بدأت احتجاجات على النخبة الحاكمة قبل شهر؛ ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي، وأغلقت البنوك أبوابها منذ بدء الاحتجاجات تقريبا، وأعلنت أمس الأحد إجراءات مؤقتة من بينها تحديد سقف أسبوعي للسحب بألف دولار أمريكي والسماح فقط بأن تكون التحويلات بالعملة الصعبة للخارج لتغطية النفقات الشخصية العاجلة.
وانتكست جهود تشكيل حكومة جديدة مطلع الأسبوع عندما أعلن وزير المالية السابق محمد الصفدي انسحابه من الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة مما أثار اتهامات متبادلة، فيما نقلت صحيفة الجمهورية عن بري قوله إنه «ما زال يأمل في أن يوافق الحريري على تشكيل حكومة جديدة.. البلد أشبه بسفينة تغرق شيئا فشيئا، فإن لم نتخذ الإجراءات اللازمة فستغرق بكاملها...».
كانت صحيفة «النهار»، قد نقلت عن بري تشبيهه لوضع الشعب اللبناني بـ«ركاب السفينة الغارقة: تيتانيك»، يأتي هذا فيما أدخلت المظاهرات ضد النخبة الحاكمة في لبنان البلاد في اضطرابات سياسية تزامنا مع أزمة اقتصادية حادة وأثارها الغضب المتصاعد من ساسة طائفيين يهيمنون على الحكومة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
والاضطرابات الحالية، التي تمثل إحدى أسوأ فترات القلاقل منذ انتهاء الحرب، تختلف عن فصول التوتر السابقة بسبب الضغوط المالية التي أفضت إلى ندرة الدولار الأمريكي وإضعاف الليرة اللبنانية، ورصدت وكالة رويترز أبرز الاضطرابات التي شهدها لبنان بعد الحرب الأهلية.
في 2005، قُتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 فبراير إثر انفجار قنبلة ضخمة لدى مرور موكبه في بيروت، وهو ما أدى لمقتل 21 آخرين، وتلت ذلك سلسلة من المظاهرات الحاشدة وضغوط دولية أجبرت سوريا على سحب قواتها من لبنان، ونظم حلفاء دمشق الشيعة في لبنان سلسلة من التجمعات الحاشدة دعما لسوريا، بدأ لبنان عهدا جديدا بعيدا عن الهيمنة السورية وكان لجماعة حزب الله اللبنانية، المدعومة من إيران دور أكبر في المشهد.
وفي يوليو 2006، خطف حزب الله جنديين إسرائيليين من داخل إسرائيل وقتل آخرين وهو ما أدى لنشوب حرب استمرت خمسة أسابيع وقُتل فيها ما لا يقل عن 1200 شخص في لبنان و158 إسرائيليا، وتصاعد التوتر إزاء ترسانة حزب الله القوية بعد الحرب. وفي نوفمبر، انسحب حزب الله وحلفاؤه من الحكومة المدعومة من الغرب والتي كان يقودها رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، ثم نظم احتجاجات مناوئة للحكومة.
وفي 2007، واصل حزب الله وحلفاؤه اعتصامًا ضد حكومة السنيورة استمر لنحو عام كامل. وكانت مطالبهم المعلنة هي الحصول على الحق في نقض قرارات الحكومة، وفي مايو بدأت اشتباكات بين الجيش اللبناني ومتشددين داخل مخيم نهر البارد الفلسطيني في شمال لبنان؛ ما أرغم آلافا من اللاجئين الفلسطينيين على الفرار منه. وسيطرت قوات لبنانية سيطرة كاملة على المخيم في سبتمبر بعد قتال استمر لما يزيد على ثلاثة أشهر وأسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.
وفي 2008، تحديدًا في السادس من مايو، اتهمت حكومة السنيورة حزب الله بإدارة شبكة اتصالات خاصة والتجسس على مطار بيروت من خلال تركيب كاميرات. وتعهدت الحكومة باتخاذ إجراء قانوني ضد هذه الشبكة، وفي السابع من مايو، قال حزب الله إن الإجراء ضد شبكة اتصالاته يعد إعلانا للحرب من جانب الحكومة، وبعد صراع أهلي قصير، سيطر حزب الله على غرب بيروت، وبعد جهود وساطة، أبرم الزعماء المتنافسون اتفاقا يوم 21 مايو؛ لإنهاء الصراع السياسي المستمر منذ 18 شهرا وانتخب البرلمان قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.
وفي 2011، أُطيح بحكومة سعد الحريري الأولى في يناير إثر انسحاب حزب الله وحلفائه منها بسبب خلاف بشأن المحكمة الخاصة بلبنان والتي تدعمها الأمم المتحدة، ووجهت المحكمة لاحقًا اتهامات إلى أربعة من قياديي حزب الله فيما يتعلق بمقتل رفيق الحريري، ثم جرى توجيه الاتهام إلى عضو خامس في حزب الله عام 2013.
وفي 2015، اندلعت أزمة بسبب القمامة حينما أغلقت السلطات المكب الرئيس للنفايات قرب بيروت دون توفير بديل له؛ ما دفع الناس للخروج في احتجاجات حاشدة بعد تكدس تلال القمامة في الشوارع رافعين شعار «طلعت ريحتكم»، وبدت هذه الأزمة إشارة جلية على عجز نظام المحاصصة الطائفي عن تلبية احتياجات أساسية مثل الكهرباء والمياه.
وفي العام الحالي، ومع ركود النمو الاقتصادي وتدفقات رؤوس الأموال واجهت الحكومة ضغوطا للحد من العجز الهائل في الميزانية، وواجهت مقترحات لتقليص أجور العاملين في الدولة ومشروع قانون بشأن معاشات التقاعد معارضة شديدة. وتعهدت الحكومة بتنفيذ إصلاحات طال انتظارها لكنها لم تحرز تقدما يسمح بوصول الدعم الأجنبي.
في 17 أكتوبر أعلنت الحكومة رسما قدره 20 سنتا في اليوم على الاتصالات عبر الإنترنت، بما في ذلك عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتطبيق واتس آب، كما اقترحت زيادة ضريبة القيمة المضافة حتى تصل إلى 15 في المئة بحلول عام 2022، وخرج الآلاف في احتجاجات متهمين الزعماء بالفساد وسوء إدارة الاقتصاد، وفي 18 أكتوبر، تراجعت الحكومة عن تلك المقترحات لكن الاحتجاجات استمرت، وفي 29 أكتوبر، قدم الحريري استقالته على غير رغبة حزب الله.