مدارات عالمية

أمريكا وإيران.. هكذا تتعَجَّل طهرانُ بـ«لحظةِ الصدام» المرتقبةِ

من الاستفزازات الإعلامية إلى تسريع الأنشطة النووية..

فريق التحرير

تصدر الملف النووي الإيراني الاتصال الهاتفي بين نائب وزير الخارجية الصيني، ما تشاوشو، والمبعوث الأمريكي الخاص لإيران، روبرت مالي، وقال بيان رسمي أصدرته بكين، إن الطرفين «تبادلا وجهات النظر حول الملف بصورة معمقة»، لاسيما أن الصين (إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا)، وقعت على الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، قبل انسحاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق، منتصف عام 2018، وفرض عقوبات قاسية على إيران، جراء استمرار النظام الإيراني لحصيلته المالية بعد رفع العقوبات (الأولى)، في دعم وتمويل أنشطة إرهابية (إقليميًّا، ودوليًّا).

لكن مع بداية عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، قال الرئيس جو بايدن، إن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات أولًا عن إيران، بينما طالب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، النظام الإيراني بالعودة للالتزام بالاتفاق النووي مع القوى العالمية، تمهيدًا لعودة واشنطن، لكن المرشد الإيراني، علي خامنئي، واصل استفزاز المجتمع الدولي بتصريحات قال فيها إن بلاده لن تعود لالتزاماتها النووية إلا بعد رفع الولايات المتحدة للعقوبات التي تفرضها على طهران.

وفي سياق الاستفزازات الإيرانية، بادرت إيران بإنتاج كميات من اليورانيوم، في انتهاك آخر لاتفاقها النووي مع الدول الكبرى، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويحظر الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015، أن تقوم طهران بشراء أو تصنيع اليورانيوم، لأن المادة لا تعتبر مكونًا رئيسيًّا لمفاعلات معينة فحسب، ولكن أيضًا للأسلحة الذرية أيضًا، وعلى الرغم من تحذيرات بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تقوم إيران بزيادة أنشطتها النووية، بينما ترغب في عودة الولايات المتحدة من خلال الإدارة الأمريكية الجديدة، لتكون طرفا في الاتفاق النووي، وهو ما سيتضمن رفع العقوبات الأمريكية.

وفيما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن معملًا إيرانيًّا يقوم بتصنيع اليورانيوم الطبيعي، بدلًا من استخدام اليورانيوم المخصب اللازم للرؤوس النووية، فقد سار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، على طريق خامنئي، مطالبًا إدارة بايدن بتحقيق تقدم في أزمة الاتفاق النووي الإيراني، أولًا، وفي سياق تعقيد الموقف قال روحاني: «لم نلمس حسن نوايا من الإدارة الأمريكية الجديدة.. إذا كانت صادقة في شعاراتها، فعليها أن تبدأ التحرك على المسار الجديد على وجه السرعة وأن تقوم بالتعويض عن أخطائها.. لا أحد في العالم يشكك فی فشل الضغوط القصوى ضد الشعب الإيراني...».

المثير، أن الرئيس الإيراني ناقض نفسه عندما قال إن بلاده تواجه «حربًا اقتصادية منذ ثلاث سنوات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي...». وأضاف (خلال كلمة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ42 لثورة الخميني): «الشعب الإيراني وخلال القرن الأخير شهد حربين: الأولى حرب الثماني سنوات مع العراق، والثانية الحرب الاقتصادية التي فرضتها قوى الاستكبار العالمي...».

واشنطن وطهران.. هل حان وقت الحساب المؤجل

وسط هذه الأجواء تتواتر المعلومات عن مواجهات عسكرية محتملة، وهو أمر يتواصل منذ أكثر من 40 عاماً دون حسم، قبل أن تبادر الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة من عهد دونالد ترامب بإرسال حاملات الطائرات وقاذفات استراتيجية وغواصات نووية إلى مياه الخليج، فيما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، أنه يجب طرح احتمال شن هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية على جدول أعمال صناع القرار في إسرائيل. وأضاف (في حديث مع إذاعة هيئة البث الإٍسرائيلي)، أن الاتفاق النووي الذي تم توقيعه بين إيران والقوى العالمية منح النظام الإيراني المجال للوصول إلى عتبة تطوير أسلحة نووية.. يجب استمرار تقيد النشاطات الإيرانية الداعمة للمنظمات الإرهابية والميليشيات في الشرق الأوسط.

لحظة الصدام المرتقبة.. متى؟ وكيف؟

ولا يعد خيار الحرب مستبعدًا بحسب مراقبين، لكنهم يؤكدون أنها لن تكون حربًا محدودة، أو خاطفة، إنما ستكون حرباً شاملة، متعددة الجبهات، ومتعددة الأطراف بحسب المصالح، يأتي هذا فيما تبدو الفترة الراهنة ملبدة بضباب الأحداث المتسارعة، والتكهنات المحيطة، فيما تقفز على حالة "اللاحرب واللاسلم"، وتجنح إلى تزكية احتمالات الصدام، خصوصاً أن التصريحات الرسمية، التى تخرج من واشنطن وطهران وتل أبيب، تجاوزت حدود إدارة الصراع إلى احتمال حسمه، خاصة بعد تصاعدت حدة التوتر بإعلان وزير الاستخبارات والأمن الإيراني، محمود علوي، أن بلاده لديها إمكانية لتطوير السلاح النووي، بما يعنى خروجها عن اتفاق 2015، وعدم الالتزام بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.

لم تتوقف الأحداث المتسارعة عند هذا الحد حيث أعلنت الحكومة الإيرانية أنها ستقيد نشاط الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يعنى أنها ستمنع لجان التفتيش من مراقبة منشآتها النووية، إذا لم تبادر إدارة الرئيس جو بايدن برفع العقوبات الاقتصادية، قبل تاريخ 21 فبراير الجاري، باعتبار أن هذا التاريخ هو نهاية المهلة التى حددتها إيران (تتزامن مع مرور شهر على تولي بايدن الرئاسة، رسميًّا)، للعودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، فيما قال مندوب إيران الدائم لدى المنظمات الدولية في جنيف، كاظم غريب آيادي، إن المهلة فرصة أخيرة أمام إدارة بايدن، للاستفادة من الخيار الدبلوماسي، قبل أن تغلق طهران نوافذها أمام واشنطن، كما أنها فرصة أخيرة، أيضاً، للتعامل بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

المأزوم اقتصاديًّا واجتماعيًّا يحاول فرض شروطه

الصلف الذي يتعامل به النظام الإيراني (المأزوم اقتصاديًّا، وسياسيًّا، واجتماعيًّا)، عبر عنه المرشد على خامنئي الذى تحدث عن ضرورة إذعان المجتمع الدولي وليس أمريكا ودول أوروبا الموقعة على الاتفاق النووي، وفى لقاء جمع خامنئي ضباط القوات الجوية الإيرانية، زعم أن من يملك الحق في وضع شروط الاتفاق النووى هى إيران، وليس أمريكا والدول الأوربية الثلاث، وأنه لا رجعة عن شرط رفع أمريكا الحظر كليًّا وفعليًّا عن إيران، وعند

التأكد من تنفيذه ستلتزم بالاتفاق!!!

في سياق مواز، قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف (لشبكة سي إن إن): إذا عادت أمريكا وشركاؤها للامتثال الكامل، فستتراجع إيران عن أفعالها.. الاتفاق النووي بأكمله غير قابل للتفاوض، نرفض التفاوض أيضًا حول برنامج الصواريخ البالستية.

في المقابل، قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، مؤخرًا، إن الوقت المتبقي لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي بات قريبًا، في إشارة إلى أنها قطعت بالفعل شوطاً طويلاً في تطوير برامجها النووية والصاروخية، ومن ثم طالب ماكرون بمنع إيران من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، مؤكدًا في الوقت نفسه، أن التفاوض مع ايران لن يكون سهلًا، وأنه يجب الأخذ بعين الاعتبار عدم تكرار الأخطاء التى حدثت في اتفاق عام 2015، عندما تم استبعاد قوى إقليمية فاعلة ومؤثرة من الاتفاق النووي, إنه يجب بشدة ضم المملكة العربية السعودية إلى أي اتفاق مع إيران.

توافق أمريكي أوروبي على علاج الأخطاء مع إيران

ويتفق وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مع رؤية ماكرون حول أخطاء اتفاق 2015، وضرورة ضم دول إقليمية فاعلة في أي اتفاق مع إيران لضمان سريانه وإزالة المخاوف والتهديدات، وبين ما تطرحه إيران من ناحية، والولايات المتحدة وأوروبا من ناحية أخرى، في ما يتعلق بالعودة إلى الاتفاق فإن المساحة تبدو شاسعة بين الطرفين ما يؤكد زيادة مساحة التعقيدات، ومع ذلك تتشدد واشنطن)، بحسب تصريحات مستشار الأمن القومى، جيك ساليفان)، بأنه لا تسامح مع البرنامج النووي والصواريخ البالستية الإيرانية، وتهديدها بلدان الشرق الأوسط، وأن هذا الملف على قائمة أولويات الرئيس جو بايدن.

واستفادت إيران بما قيمته 100 مليار دولار بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، الذى تم بموجبه رفع العقوبات وتوقيع عقود طويلة الأجل مع شركات أوربية تعمل فى مجال الطاقة، حيث وظفت طهران هذه الحصيلة فى تطوير برامجها النووية ومنظومة صواريخ البالستية، فضلاً عن تمويل الميليشيات الإيرانية العاملة في الجوار العربي (في الحشد العراق، وحزب الله لبنان، والحوثيين في اليمن، وحركتي الجهاد وحماس في قطاع غزة، وفصائل في سوريا...)، التى تعمل تحت إشراف مباشر لفيلق القدس (نخبة قوات الحرس الثوري الإيراني).

قائمة شروط أمريكية.. فهل تتراجع إيران؟

عصا الوعيد الأمريكية لا تقف عند الملف النووي وقبول إيران بشروط العودة إلى الاتفاق فضلًا عن الوقف الكامل لبرنامج الصواريخ الباليستية، بل إنهاء نشاطها التخريبي في سوريا ولبنان واليمن والعراق، وملفات إيرانية داخلية، تتمثل في ضرورة التزام إيران بالانصياع لقواعد القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة في ما يتعلق بملف الحريات وحقوق الإنسان في التعامل مع شعبها.

ونشرت منظمة الأمم المتحدة فى دوريتها الإخبارية المتعلقة بالحريات، مؤخرًا، تقريرًا يحتوى على معلومات صادمة عن أوضاع حقوق الإنسان فى إيران، حيث أعرب خبراء المنظمة الدولية، عن مخاوفهم من التوسع فى تنفيذ النظام لعمليات إعدام والتنكيل بالأقليات، وأدان خبراء تابعون للأمم المتحدة إعدام، جافيد دهقان (ينتمي إلى الأقلية البلوشية)، وأعربوا عن مخاوفهم من الزيادة المقلقة فى عمليات إعدام سجناء الأقلية البلوشية، كما أدانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، إعدام محمد حسن رضائي، وشخصيات أخرى!

الاقتصاد كلمة السر في إعادة إيران إلى صوابها

من هنا تستخدم الولايات المتحدة سلاح العقوبات للضغط على النظام الإيراني وترى أنه سلاح فعال لعرقلة تمويل مشاريع وبرامج إيران النووية والصاروخية، وتمويل الإرهاب، وبموجب العقوبات تراجعت صادرات إيران النفطية إلى 20 مليار دولار سنويًّا، بعدما كانت تصل إلى 40 مليار دولار، حيث تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطًا اقتصادية قصوى على إيران لإجبارها على التفاوض على اتفاق أوسع يتجاوز برنامجها النووي.

وسلب نظام العقوبات الذي فرضته إدارة ترامب، الاقتصاد الإيراني قوته، حيث نفذ ترامب ذلك النظام بعد الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، بدعوى أنه كان سوف يسمح لطهران في النهاية بامتلاك أسلحة نووية. ونتيجة لذلك، فقد الريال، وهو العملة الإيرانية، أكثر من نصف قيمته، في حين أن التضخم والبطالة تجاوزا حد 20%.

وزعمت الحكومة الإيرانية، نهاية العام الماضي، أنه تم وضع موازنة العام الجديد بواقعية رغم أن الولايات المتحدة وضعت الكثير من العقبات أمام الصادرات النفطية والبتروكيماويات، فيما قدم حسين علي أميري مساعد الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية مشروع موازنة العام القادم (يبدأ في 21 مارس)، وبلغت قيمة النفقات الحكومية المقترحة 8410 تريليونات ريال، من بين موازنة إجمالية للدولة بنحو 24350 تريليون ريال، تعادل نحو 4ر97 مليار دولار حسب السوق الحرة.

الحل يبدأ من طهران.. والحسم الأمريكي ضرورة

ويبقى أنه يمكن للإيرانيين العودة إلى الامتثال للاتفاق المبرم في عام 2015، من خلال احترام القيود المفروضة على عدد أجهزة الطرد المركزي الخاصة بهم، والمستوى الذي يمكنهم تخصيب اليورانيوم إليه، وكمية اليورانيوم منخفض التخصيب الذي يمكنهم جمعه، وتفكيك سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وما إلى ذلك، ومن جانب الولايات المتحدة، فإنها يمكنها تعليق العقوبات من جديد، ما سيوفر الفرصة لإغاثة اقتصادية تشتد حاجة الإيرانيين إليها. ولكن الأمر سوف يستغرق ما يتراوح بين أربعة وستة أشهر حتى تعود إيران للامتثال للاتفاق النووي.

يدرك الرئيس جو بايدن أن حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط يرغبون في الحصول على تطمينات بشأن تحركات الولايات المتحدة تجاه إيران، خوفًا من أن يتصرفوا بطرق من الممكن أن تؤدي إلى تعقيد الاستراتيجية الأمريكية، إلا أن تلك الدول متشككة بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، وتخشى أن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها مبكرًا، كما أنها قلقة من أن تؤدي مصالح إدارة بايدن في عملية التفاوض إلى غض الطرف عن تهديدات إيران لجيرانها.

اقرأ أيضا:

مرر للأسفل للمزيد