أبدع الآباء والأجداد بمنطقة تبوك في نمط حياتهم ومعيشتهم والتكيّف مع البيئة المحيطة بهم، التي كانت سببًا رئيسًا في اهتمامهم بأساسيات حياتهم، ومنها طرق حفظ الأطعمة لفتراتٍ طويلة، بواسطة «المصَنّ» الذي يعد مستودعاً آمناً لحفظ الأطعمة التموينية، التي يتم توفيرها لتكفيهم على مدار العام ويصعب نقلها معهم في ترحالهم من منطقة لأخرى، كالتمور والقمح والشعير، والإقط والسمن.
وعُرف «المصَنّ» بأنه الأداة الوحيدة التي يمكن لكل أسرة حفظ الأطعمة فيه لفترات طويلة، دون أن تتعرض للتلف أو الفساد، خاصة أن قاطني البادية حينها في ترحالٍ دائم من مكانٍ لآخر بحثاً عن الماء والكلأ.
ويعتمد «المصَنّ» في تقنية بنائه على اعتدال الحرارة بداخله، وهو عبارة عن تجويف صخري أحدثته عوامل التعرية في داخل الصخور، ويتم بناؤه بالحجر والطين، وإغلاقه بإحكام، وضمان عدم دخول الهواء إلى داخله، من خلال سد التجويف بالصخور المناسبة، وبلبِنات الطين المخلوطة بصن الوبر، لضمان عدم اقتراب القوارض والحشرات منه، التي دائماً ما يمكنها الحفر في الطين بكل سهولة، إلا أن لصون الوبر فعاليته في إبعادها عن مكان الأطعمة، لتأتي بعد ذلك عملية «الإخراج»، وهذه مهمة يتم إسنادها إلى شخص، ليتولى بدوره جلب كمية من الأطعمة كل ما احتاجوا إليها.
وساعد وجود «المصَنّ» أهالي البادية حينها على سهولة التنقل في ترحالهم، وضمان حفظ أطعمتهم في أماكن آمنة، إضافة إلى تخفيف الأحمال عليهم وعلى دوابهم خلال ترحالهم.
ومع ظهور التقنية والتطور واختلاف الزمان، أُهملت هذه العادة، وبات «المصَنّ» من الإرث التاريخي والثقافي لأهالي المنطقة، ولم يعد أحد يهتم به سوى بعض محبي التراث والمحافظين على الموروث القديم للآباء والأجداد.