وضعت إحدى المدارس اللبنانية التابعة لميليشيات حزب الله، امتحانًا مدرسيًّا تضمن أسئلة خاصة بقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، الذي لقي مصرعه في غارة أمريكية، بعد استهدافه بطيارة دون طيار، مطلع يناير الماضي.
وتضمنت الأسئلة: من المقصود بعابر الأوطان؟، ومكان مولد سليماني، وكذلك توقيت مقتله في الغارة الأمريكية، وأثار ذلك غضب أولياء الأمور وكذلك الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة موقع «تويتر»، والذي عبّر رواده عن غضبهم واستيائهم من هذا الامتحان، متسائلين كيف يختارون مثل هذا الشخص ويستبدلونه بالشخصيات الوطنية التي ساهمت بنهضة لبنان واستقلالها.
وأجرت «مدارس المهدي» الامتحان للطلاب يشمل أسئلة أخرى عن سليماني، وكذلك طلب الأستاذ من الطلبة في ورقة الامتحان، تحديد صفتين لسليماني، مع إبداء رأي الطالب الشخصي، واختتمت الأسئلة بطلب ملء فراغين يعطيان فرصة للإشادة بقاسم سليماني.
وكان سليماني يتولى (بأمر مباشر من علي خامنئي)، مسؤوليةَ تنسيق الدور الإيراني في: «لبنان، العراق، أفغانستان، فلسطين، اليمن، ليبيا والسودان»، كما أُوكلت له منذ منتصف عام 2010 مسؤولية التنسيق المباشر وغير المباشر (عبر منظمات وحركات فلسطينية)، مع عناصر تكفيرية في شمال سيناء، ورغم أنه كان يتعاون مع صديقه المقرب حسين حمداني (نائب القائد السابق لقوات الباسيج، خبير إدارة عمليات الميليشيات والمنظمات)، والجنرال «يد الله جفاني» في التخطيط والتوجيه وتحديد حجم الدعم للميليشيات التابعة، إلا أن الجزء الأكبر من أسرار العمليات كان مقتصرًا على سليماني «نفسه».
ويتبع «فيلق القدس»، الذي كان يتولاه قاسم سليماني، لقوات الحرس الثوري الإيراني (الباسداران)، وهي الميليشيا الدينية التي تضم أيضًا قوات التعبئة العامّة (الباسيج)، المجهّزة بقوات برية وبحرية وسلاح الجو والاستخبارات الخاصة به، علاوة على ذلك هناك القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني (90 ألف عنصر مقاتل.. نحو 300 ألف جندي احتياط)، معظم عناصره يستخدمون واجهة مدنية لتحركاتهم داخل وخارج إيران، عبر أنشطة مدنية وتجارية.
ويوجِّه «فيلق القدس» موازنته الضخمة إلى دعم العمليات والأنشطة الضخمة لإيران في المنطقة وخارجها، وسط معارضة (تقمعها إيران) لتدخلات الحرس الثوري في الجوار، كونه يكبّد الاقتصاد الإيراني شهريًّا أكثر من مليار دولار، ويُعَدُّ فيلق القدس بمثابة الميليشيا وجهاز الاستخبارات الأهم داخل منظومة الحرس الثوري، وفيما يرفع شعار «تحرير فلسطين» إلا أن الدور المشبوه الذي يقوم به منذ سنوات، لا سيما الفترة التي تزامنت مع موجة ما يسمى بـ«الربيع العربي».
وكشفت العديد من المعلومات والتقارير العربية والغربية حقيقة الدور الذي تلعبه قوات «فيلق القدس» في المنطقة العربية، عبر: «جمع المعلومات، تنفيذ عمليات خاصة، تهريب الأسلحة، ودعم أنشطة سياسية لتمدد النفوذ الإيراني»، ومع أن قوات «فيلق القدس»، تأسست مطلع الثمانينيات خلال الحرب الإيرانية مع العراق؛ لدعم الأكراد في مواجهة الرئيس الراحل صدام حسين، فقد تولت لاحقًا المهام السرية الخارجية الموكلة للقوات الحرس الثوري الإيراني.
ورغم أنه يُعَدُّ من الناحية التنظيمية جزءًا من القوات المسلحة، لكن قوات الحرس الثوري (وفيلق القدس) تتمتع بقيادة مستقلة تتلقى أوامرها من المرشد الإيراني، علي خامنئي، يحدث هذا رغم تتابع أسماء عدة على قيادات الميليشيات الأضخم في إيران (محسن رضوي.. يحيى رحيم صفوي.. اللواء محمد على جعفري...).
ويحافظ «فيلق القدس» على خصوصيته في تركيبة الحكم الإيرانية، مدعومًا بصلاحيات واسعة، لا سيما أن أبرز قادته السابقين يتحكمون بمفاصل الدولة، بينما تتكفل أنشطته الاقتصادية التي تُقدَّر بمليارات الدولارات (مجالات النفط والغاز.. البنية التحتية.. قطاعات إنتاجية وخدمية) بالهيمنة على الداخل الإيراني.
واستغلَّت أجواء الانفلات الأمني عقب ما يُعرف بـ«ثورات الربيع العربي» (عسكريًّا، وأمنيًّا، واستخباراتيًّا...)، بعدما بادرت قوات «فيلق القدس» بتنفيذ عمليات ممنهجة في الدول المستهدفة، أخطرها: محاولة إسقاط اليمن في قبضة الحوثيين، قبل تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، كما أنها عقب انهيار نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا نجحت في الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة (أهمها صواريخ أرض-جو إس إيه-2، روسية الصنع...)، من ترسانات السلاح الليبية وتهريبها عبر الحدود الليبية.
وتم نقل هذه الشحنات إلى قاعدة عسكرية بمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور السودانية (ضمن اتفاق ضمني)، وقد ذهب بعضًا من هذا السلاح لجماعات إرهابية (وتكفيرية)، في مصر، ومنظمات جهادية في فلسطين، وعملت إيران على تغيير عقيدة منظمات وفصائل جهادية في فلسطين، لتتحول هذه المنظمات والحركات من مواجهة المحتل الصهيوني؛ لمواجهة الداخل العربي (الوقائع في مصر وسوريا نموذجًا)، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة.
ويتم هذا بتعاون كامل بين فيلق القدس ووزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية (16 جهازًا للأمن والاستخبارات تتبع وزارة الاستخبارات.. استخبارات الحرس الثوري.. مخابرات الجيش.. استخبارات الشرطة)، وتعمل هذه الأجهزة تحت إشراف مجلس تنسيق المعلومات (أعلى هيئة استخبارية في إيران)، وفيما يرأس هذه الهيئة وزير الاستخبارات، فإن الوزارة تدعم أجهزة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني لا سيما «مكتب التضليل»، المعني بشنّ حرب نفسية ضد أعداء إيران، وكذلك فيلق القدس الذي يدير العمليات الخارجية، لا سيما في استهداف الجوار العربي.
اقرأ أيضًا: