مستشفى الشفاء.. نموذج مصغر للحرب الأوسع في غزة

مستشفى الشفاء
مستشفى الشفاء

نشر موقع "سي إن إن" تقريرًا عن عملية اقتحام مستشفى الشفاء في قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال، بزعم استخدامها من قبل مقاتلي حركة حماس، وتحويل المجمع الطبي إلى "مركز" للقتال في القطاع.

واقتحمت قوات الاحتلال مستشفى الشفاء، وهو أكبر مستشفى في غزة، يوم الأربعاء، بعد اتهام حماس بحفر أنفاق تحت المجمع، وهو ما نفته الحركة ومسؤولو المستشفى.

وقالت الأمم المتحدة إن مستشفى الشفاء أصبح "مركزًا" للقتال في القطاع، مشيرة إلى محاصرة المرضى والموظفين والفلسطينيين النازحين مع نفاد الإمدادات الطبية والوقود.

وتوقف المبنى الرئيسي للمستشفى عن العمل فعلياً، إذ يعمل الأطباء على ضوء الشموع ويلفون الأطفال الخدّج بورق الألمنيوم لإبقائهم على قيد الحياة، مع تحذير البعض من أن الوضع أصبح "كارثياً". وفي الأيام الأخيرة، أصبح المستشفى نموذجًا مصغرًا للحرب الأوسع والخطاب المحيط بها. 

عملية الاقتحام

في وقت مبكر من صباح الأربعاء، اقتحم الاحتلال المستشفى، وقال خالد أبو سمرة، طبيب في المستشفى، لشبكة CNN، إنهم تلقوا تحذيرًا قبل بدء العملية الإسرائيلية على المجمع بـ 30 دقيقة.

وأوضح "لقد طُلب منا الابتعاد عن النوافذ والشرفات. يمكننا سماع صوت المركبات المدرعة، فهي قريبة جدًا من مدخل المجمع."

وبين خضر الزعنون، صحفي داخل المستشفى، لشبكة CNN، أن الدبابات والمركبات العسكرية الإسرائيلية كانت في فناء المستشفى. وأضاف أن جنود الاحتلال كانوا في المباني والأقسام يجرون عمليات تفتيش واستجواب مع الشبان وسط إطلاق نار كثيف وعنيف داخل المستشفى، وكانوا يستخدمون مكبرات الصوت ليطلبوا من الشباب في المستشفى رفع أيديهم، والخروج وتسليم أنفسهم.

ولا تستطيع CNN التحقق بشكل مستقل من مزاعم إسرائيل بأن حماس تعمل من المستشفى.

وذكر المتحدث باسم جيش الاحتلال بيتر ليرنر، لشبكة CNN، أن الجيش أبلغ مديري المستشفى والمرضى والمدنيين بالداخل بالاحتماء من أجل التمييز بين المدنيين والإرهابيين.

إدعاء جيش الاحتلال

زعم الاحتلال مرارا وتكرارا أن حماس تستخدم مجمع المستشفى لأغراض عسكرية. واتهم المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، حماس بتوجيه الهجمات الصاروخية وقيادة العمليات من المخابئ الموجودة أسفل مبنى المستشفى، والتي قال إنها مرتبطة بشبكة الأنفاق التي حفرتها حماس تحت المدينة.

ولم يقدم هاغاري في ذلك الوقت سوى دليل واحد: مكالمة هاتفية يُزعم أنها بين اثنين من سكان غزة يناقشان وجود مقر حماس في مستشفى الشفاء. ولم تتمكن CNN من التحقق بشكل مستقل من صحة التسجيل.

ونشر أيضًا مقطع فيديو مصورًا "استخباراتيًا" لما يبدو عليه مقر حماس تحت مستشفى الشفاء. يُظهر الفيديو رسمًا تخطيطيًا ثلاثي الأبعاد للمستشفى، والذي يتحرك لإظهار شبكة متحركة من الأنفاق وغرف العمليات المزعومة.

وادعى هاغاري بأن حماس تستخدم مستشفيات أخرى داخل غزة بطرق مماثلة، والذي تضمن صورًا جوية ورسومات بيانية وتسجيلات صوتية.

وفي سعي  الاحتلال لتأكيد مزاعمه، دعا الجيش، الإثنين، وسائل الإعلام لزيارة مستشفى الرنتيسي للأطفال في مدينة غزة، إذ زعم هاغاري أن أجزاء من الطابق السفلي كانت "مركز قيادة وسيطرة" لحماس وربما تم استخدامها لاحتجاز الرهائن.

وعرض على فريق CNN الذي رافق جيش الاحتلال أسلحة ومتفجرات في إحدى الغرف الواقعة أسفل المستشفى، والتي وصفها هاغاري بـ"مستودع الأسلحة".

ونفى مدير المستشفيات في وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس، الاتهامات الإسرائيلية، موضحًا أن الطابق السفلي من مستشفى الرنتيسي يستخدم لإيواء النساء والأطفال، وليس لتخزين الأسلحة واحتجاز الرهائن.

رد حماس

أنكرت حماس، والصحة الفلسطينية، والعاملون الطبيون، مزاعم الاحتلال بشأن مستشفى الشفاء. وقال المدير العام لوزارة الصحة في غزة، الدكتور مدحت عباس، لشبكة CNN إن مستشفيات غزة تُستخدم لعلاج المرضى فقط ولا تُستخدم لإخفاء أحد.

وبعد بدء اقتحام مجمع الشفاء، قالت وزيرة الصحة في السلطة الفلسطينية، الدكتورة مي الكيلة، إن الاقتحام يتمثل "جريمة جديدة ضد الإنسانية والطواقم الطبية والمرضى"، وحذرت من أنها قد تكون لها "عواقب كارثية" على المرضى والطواقم الطبية.

وألقت حماس باللوم على كل من دولة الاحتلال والولايات المتحدة، زاعمة أن أمريكا أعطت إسرائيل "الضوء الأخضر لارتكاب المزيد من المجازر ضد المدنيين" باستخدام "الرواية الكاذبة" التي يقدمها الاحتلال عن استخدام مستشفى الشفاء كمركز قيادة، كما اتهمت أيضًا الأمم المتحدة بالفشل في الدفاع عن الفلسطينيين.

رد البيت الأبيض

دعم البيت الأبيض مزاعم الاحتلال، قائلًا بأن حماس تخزن أسلحة وتدير وحدة قيادة من مستشفى الشفاء في غزة. وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، إن أعضاء حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، يديرون نقطة قيادة وسيطرة من مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وخزنوا الأسلحة هناك. ولم يقدم كيربي أي دليل يدعم أقواله.

لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال أيضًا إن المستشفيات في غزة "يجب حمايتها"، معبرًا عن أمله وتوقعه هو أنه سيكون هناك أعمال اقتحام أقل حولها.

أهمية مستشفى الشفاء 

تقع  المستشفى في الجزء الغربي من مدينة غزة، إذ بنيت في العام 1946 عندما كانت غزة لا تزال تحت الحكم البريطاني. ويُنظر إلى المستشفى منذ فترة طويلة على أنه العمود الفقري للخدمات الطبية في جميع أنحاء القطاع المحاصر، وقد تعرض للضرب في الصراعات السابقة بين حماس والاحتلال.

فبعد عام تقريبا من سيطرة حماس على القطاع، كانت إسرائيل تزعم أن مقاتلي حماس يحتمون بالمساجد والمستشفيات وغيرها من الأماكن المدنية لتجنب الهجمات الإسرائيلية. وقال وزير الأمن الداخلي السابق ومدير الشاباك، آفي ديختر، في العام 2009 إن حماس تستخدم مستشفى الشفاء لعملياتها، وهو ادعاء نفته حماس مرارًا وتكرارًا.

وتعرض المستشفى للقصف قبل 9 سنوات خلال الحرب في العام 2014، والتي أدانتها بشدة منظمات الإغاثة والمنظمات الطبية. وألقى الفلسطينيون باللوم على الاحتلال، بينما زعم الاحتلال أن القصف كان نتيجة إطلاق صاروخي فاشل من قبل حماس.

ونشرت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان، في 2010، تقريراً يدين حماس، بما فيه مزاعم بأن مقاتلي الحركة قاموا باستجواب وتعذيب الناس في عيادة في مستشفى الشفاء.

استهداف المستشفيات في القانون الدولي 

يسعى القانون الدولي إلى الحد من المعاناة الناجمة عن الحرب، لتوفير الحماية للمدنيين والأعيان المدنية، بما في ذلك الطاقم الطبي والمرافق الطبية، لكن الحماية ليست غير مشروطة.

وقالت كورديولا درويغي، كبيرة المسؤولين القانونيين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن استخدام المباني مثل المستشفيات التي تأوي المقاتلين والأسلحة يمكن أن تحول الأعيان المدنية إلى أهداف عسكرية مشروعة، فبمجرد أن يفقد المستشفى وضعه المحمي، يمكن أن يكون الهجوم مسموحًا به، ولكن يجب على الطرف المهاجم إعطاء تحذير قبل شن الهجوم. 

وأضافت أنه "يمكن أن يفقدوا حمايتهم إذا تم استخدامهم خارج وظيفتهم الإنسانية لارتكاب أعمال ضارة بالعدو". 

وتابعت درويغي: "الغرض من هذا التحذير هو السماح لأولئك الذين يسيئون استخدام المستشفى بوقف الأعمال الضارة بالعدو، أو إذا استمروا، السماح بالإخلاء الآمن للمرضى والطاقم الطبي"، لافتة إلى أن ذلك ليس ممكنا دائمًا في حالات الصراع.

وأكدت درويغي أن هذا "لا يعني أن هناك ترخيصًا مجانيًا للهجوم"، إذ تخضع جميع الضربات إلى "مبدأ التناسب"، الذي ينص على أنه يتعين على الطرف المهاجم التأكد من أن الضرر المتوقع الذي يلحق بالمدنيين لن يكون "مفرطًا" مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة. ويجب على جميع الأطراف أيضًا اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين.

وقال مايكل شميت، أستاذ القانون في جامعة ريدينغ وضابط سابق في القوات الجوية الأمريكية، لشبكة CNN، إن إجراء مثل هذا الحساب هو "أصعب قرار يمكن أن يتخذه القائد في ساحة المعركة."

قد يعجبك أيضاً

No stories found.
logo
صحيفة عاجل
ajel.sa