أجرت إيران، اليوم الاثنين، مراسم تنصيب، إسماعيل قاآني، قائدًا لفيلق القدس (الذراع الخارجية للحرس الثوري)، ونائبه الجديد، محمد حجازي، بحضور قادة الحرس والجيش والأركان ومسؤولي مكتب المرشد علي خامنئي، وبنات قاسم سليماني، الذي قتل في غارة أمريكية في الثالث من يناير الجاري بنطاق مطار بغداد الدولي، بطائرة بدون طيار.
وقالت مصادر دبلوماسية وسياسية، إن القرار الذي اتخذه مرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي، بتعيين العميد إسماعيل قاآني، قائدًا لفيلق القدس التابع لحرس الثورة الإيراني، لن يملأ الفراغ الذي خلّفه «سليماني»، بحكم شبكة علاقاته المعقَّدة وهيمنته على عملية صنع القرار في كل ما يتعلق بعمليات «فيلق القدس»، حتى مع التأكيدات الرسمية الإيرانية أن «الخطط هي ذاتها المعتمدة في عهد سليماني، وأن جميع الكوادر في فيلق القدس ستتعاون مع القائد قاآني».
وتكشف التحركات الإيرانية المشبوهة العلاقة العضوية التي تربط «فيلق القدس» بعشرات الميليشيات المسلحة في الجوار العربي، وتؤكد في الوقت نفسه أن مَنْ يوجدون في المنطقة من قوات «الحرس الثوري»، ليسوا مجرد «مستشارين لنقل التجارب والخبرات الدفاعية»، كما تزعم طهران في خطابها السياسي والإعلامي، وفي ظل الدور المشبوه الذي تلعبه إيران في العراق وسوريا ولبنان، والأهم، في اليمن (جماعة الحوثي الانقلابية) تتبدَّى رغبة طهران التوسعية التي تتم بالتنسيق (المباشر، وغير المباشر)، مع أطراف أخرى (قطر، وتركيا) وكل من تتلاقى مصالحهم الضيقة معها، وهي التحركات التي كانت تنتهي جميعها إلى جعبة قاسم سليماني.
وتعتمد استراتيجية إيران التي كان ينفِّذها رجلها القوي في إدارة العمليات الخارجية (العسكرية.. الأمنية.. الاستخباراتية) قاسم سليماني، على الاستعانة بحلفاء إقليميين، ينتمون إلى بيئتهم الجغرافية والثقافية، حتى تكون لديهم القدرة على تنفيذ ما يُطلب منهم من عمليات إجرامية؛ حيث كان سليماني يكلِّف الميليشيات التابعة في المنطقة المستهدفة بأعمال «عسكرية - أمنية» في مناطق وجودهم بعد تلقي الخبرات التدريبية والدعم (المالي - التسليحي)؛ لتهديد استقرار الدول المستهدفة، والضغط على القوى الدولية للحصول على مكتسبات.
وكان سليماني يتولى (بأمر مباشر من علي خامنئي)، مسؤوليةَ تنسيق الدور الإيراني في: «لبنان، العراق، أفغانستان، فلسطين، اليمن، ليبيا والسودان»، كما أُوكلت له منذ منتصف عام 2010 مسؤولية التنسيق المباشر وغير المباشر (عبر منظمات وحركات فلسطينية)، مع عناصر تكفيرية في شمال سيناء، ورغم أنه كان يتعاون مع صديقه المقرب حسين حمداني (نائب القائد السابق لقوات الباسيج، خبير إدارة عمليات الميليشيات والمنظمات)، والجنرال «يد الله جفاني» في التخطيط والتوجيه وتحديد حجم الدعم للميليشيات التابعة، إلا أن الجزء الأكبر من أسرار العمليات كان مقتصرًا على سليماني «نفسه».
ويتبع «فيلق القدس»، الذي كان يتولاه قاسم سليماني، لقوات الحرس الثوري الإيراني (الباسداران)، وهي الميليشيا الدينية التي تضم أيضًا قوات التعبئة العامّة (الباسيج)، المجهّزة بقوات برية وبحرية وسلاح الجو والاستخبارات الخاصة به، علاوة على ذلك هناك القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني (90 ألف عنصر مقاتل.. نحو 300 ألف جندي احتياط)، معظم عناصره يستخدمون واجهة مدنية لتحركاتهم داخل وخارج إيران، عبر أنشطة مدنية وتجارية.
ويوجِّه «فيلق القدس» موازنته الضخمة إلى دعم العمليات والأنشطة الضخمة لإيران في المنطقة وخارجها، وسط معارضة (تقمعها إيران) لتدخلات الحرس الثوري في الجوار، كونه يكبّد الاقتصاد الإيراني شهريًّا أكثر من مليار دولار، ويُعَدُّ فيلق القدس بمثابة الميليشيا وجهاز الاستخبارات الأهم داخل منظومة الحرس الثوري، وفيما يرفع شعار «تحرير فلسطين» إلا أن الدور المشبوه الذي يقوم به منذ سنوات، لا سيما الفترة التي تزامنت مع موجة ما يسمى بـ«الربيع العربي».
وكشفت العديد من المعلومات والتقارير العربية والغربية حقيقة الدور الذي تلعبه قوات «فيلق القدس» في المنطقة العربية، عبر: «جمع المعلومات، تنفيذ عمليات خاصة، تهريب الأسلحة، ودعم أنشطة سياسية لتمدد النفوذ الإيراني»، ومع أن قوات «فيلق القدس»، تأسست مطلع الثمانينيات خلال الحرب الإيرانية مع العراق؛ لدعم الأكراد في مواجهة الرئيس الراحل صدام حسين، فقد تولت لاحقًا المهام السرية الخارجية الموكلة للقوات الحرس الثوري الإيراني.
ورغم أنه يُعَدُّ من الناحية التنظيمية جزءًا من القوات المسلحة، لكن قوات الحرس الثوري (وفيلق القدس) تتمتع بقيادة مستقلة تتلقى أوامرها من المرشد الإيراني، علي خامنئي، يحدث هذا رغم تتابع أسماء عدة على قيادات الميليشيات الأضخم في إيران (محسن رضوي.. يحيى رحيم صفوي.. اللواء محمد على جعفري...).
ويحافظ «فيلق القدس» على خصوصيته في تركيبة الحكم الإيرانية، مدعومًا بصلاحيات واسعة، لا سيما أن أبرز قادته السابقين يتحكمون بمفاصل الدولة، بينما تتكفل أنشطته الاقتصادية التي تُقدَّر بمليارات الدولارات (مجالات النفط والغاز.. البنية التحتية.. قطاعات إنتاجية وخدمية) بالهيمنة على الداخل الإيراني.
واستغلَّت أجواء الانفلات الأمني عقب ما يُعرف بـ«ثورات الربيع العربي» (عسكريًّا، وأمنيًّا، واستخباراتيًّا...)، بعدما بادرت قوات «فيلق القدس» بتنفيذ عمليات ممنهجة في الدول المستهدفة، أخطرها: محاولة إسقاط اليمن في قبضة الحوثيين، قبل تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، كما أنها عقب انهيار نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا نجحت في الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة (أهمها صواريخ أرض-جو إس إيه-2، روسية الصنع...)، من ترسانات السلاح الليبية وتهريبها عبر الحدود الليبية.
وتم نقل هذه الشحنات إلى قاعدة عسكرية بمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور السودانية (ضمن اتفاق ضمني)، وقد ذهب بعضًا من هذا السلاح لجماعات إرهابية (وتكفيرية)، في مصر، ومنظمات جهادية في فلسطين، وعملت إيران على تغيير عقيدة منظمات وفصائل جهادية في فلسطين، لتتحول هذه المنظمات والحركات من مواجهة المحتل الصهيوني؛ لمواجهة الداخل العربي (الوقائع في مصر وسوريا نموذجًا)، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة.
ويتم هذا بتعاون كامل بين فيلق القدس ووزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية (16 جهازًا للأمن والاستخبارات تتبع وزارة الاستخبارات.. استخبارات الحرس الثوري.. مخابرات الجيش.. استخبارات الشرطة)، وتعمل هذه الأجهزة تحت إشراف مجلس تنسيق المعلومات (أعلى هيئة استخبارية في إيران)، وفيما يرأس هذه الهيئة وزير الاستخبارات، فإن الوزارة تدعم أجهزة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني لا سيما «مكتب التضليل»، المعني بشنّ حرب نفسية ضد أعداء إيران، وكذلك فيلق القدس الذي يدير العمليات الخارجية، لا سيما في استهداف الجوار العربي.
اقرأ أيضًا: