في زمن تسارعت فيه التحولات التقنية وتلاشت فيه الحدود بين القطاعات والأسواق يبرز كتاب ما بعد التحول الرقمي كيف يعيد القادة تشكيل منشآتهم ويصنعون المستقبل بوصفه عملا فكريا يتجاوز الحديث التقليدي عن الرقمنة ليطرح سؤالا أعمق حول جوهر القيادة ومعنى التنافس في عالم لم تعد فيه التكنولوجيا ميزة بل شرطا أساسيا للبقاء.
صدر كتاب ما بعد التحول الرقمي Beyond Digital في أواخر عام الفين وواحد وعشرين في لحظة مفصلية من تاريخ الإدارة الحديثة حيث أصبحت الأدوات الرقمية متاحة للجميع ولم يعد امتلاكها كافيا لتحقيق التفوق ومن هنا يؤكد المؤلفان بول لينواند ومات ماني أن الخطأ الشائع لدى كثير من المنظمات يتمثل في اختزال التحول في الأنظمة والتقنيات المادية فقط بينما يبدأ التحول الحقيقي من العقل القيادي وينعكس على الثقافة والاستراتيجية ونموذج الأعمال والعلاقة مع الإنسان داخل المؤسسة وخارجها.
وفي بحث شمل 12 شركة عالمية من بينها مايكروسوفت وفيليبس وأدوبي و اس تي سي باي يحلل كيف انتقلت هذه الشركات من مجرد تطبيق الحلول الرقمية إلى بناء منظومات قيمة متكاملة قادرة على الاستمرار والنمو في بيئات شديدة التعقيد ومن هذه التجارب إستخلص المؤلفان سبع أولويات قيادية The seven Leadership Imperatives تشكل خريطة طريق لمرحلة ما بعد التحول الرقمي وهي:
الأولوية الأولى: إعادة تصور دور الشركة في العالم Reimagining the Role of the Company عبر تحديد عرض القيمة القادرة على إحداث تحول في الوضع الراهن Status Quo.
الأولوية الثانية: الانخراط في الأنظمة البيئية Ecosystems وبناء شراكات استراتيجية تتيح الخلق المشترك Co Creation وتوليد قيمة تتجاوز قدرات المنظمة منفردة.
الأولوية الثالثة: تعميق فهم احتياجات العملاء Customer Centricity مع توظيف تحليلات البيانات Data Analytics لصناعة ميزة تنافسية مستدامة .
الأولوية الرابعة: الانتقال من التركيز على تنفيذ المبادرات الرقمية Digital Execution إلى التركيز على النتائج والأثر الحقيقي Business Outcomes.
الأولوية الخامسة: بناء قيادة موجهة نحو المستقبل Future Oriented Leadership متكاملة ومتنوعة في العقليات Mindsets والقدرات .
الأولوية السادسة: صياغة علاقة جديدة بين المؤسسة وموظفيها قائمة على الثقة والنمو والتشارك في خلق القيمة Shared Value Creation.
الأولوية السابعة: تفكيك النماذج القيادية التقليدية Traditional Leadership Models وتبني أنماط قيادة أكثر مرونة وإنسانية وابتكارا.
تكمن قيمة هذا الكتاب في أنه يقدم للمديرين وصناع القرار إطاراً واضحاً لبناء منظمات مرنة وقادرة على المنافسة طويلة الأمد ويمنح الاقتصاديين فهما أعمق لكيفية تشكل القيمة في الاقتصاد الحديث كما يلهم الأفراد لإعادة التفكير في مساراتهم المهنية وتطوير مهاراتهم بما ينسجم مع عالم سريع التغير باستمرار.
ما بعد التحول الرقمي ليس كتابا عن التقنية بل عن الإنسان القائد الذي يدرك أن المستقبل لا تصنعه الأدوات بل تصنعه الرؤية والقدرة على بناء منظومات متكاملة من القيم والابتكار والمعنى.