
«إيقاف مدى الحياة».. أصبحت هذه العقوبة السائدة متداولة في عالم كرة القدم كثيرًا في السنوات الأخيرة؛ إذ يتم الإعلان بين حينٍ وآخر عن فرضها على حكم مباراة اتهم بتلقي «رشوة».
أحدث ما صدر في هذا السياق قرارٌ من الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» بإيقاف الحكم إبراهيم تشيبو (من النيجر) مدى الحياة؛ لإدانته بالحصول على رشى.
وأفاد بيانٌ صادرٌ عن «فيفا»، قبل يومين، بفرض غرامة أيضًا على الحكم قدرها 200 ألف فرنك سويسري (200 ألف و541 دولارًا)، مع منعه من ممارسة كافة الأنشطة التي تتعلق بكرة القدم، بما في ذلك الأنشطة الإدارية.
ولم يكشف البيان مزيدًا من التفاصيل، باستثناء أنه أبلغ الحكم السابق بعقوبة الإيقاف عن التحكيم يوم الثلاثاء الماضي.
ولا تعد واقعة حكم النيجر حدثًا جديدًا في عالم كرة القدم؛ فكثيرًا ما صدرت قرارات في سياق شبيه نالت صدى دوليًّا كبيرًا، أشهرها جرى في إيطاليا.
وتعتبر فضيحة كرة القدم الإيطالية «الكالتشيوبولي» أكبر وأشهر فضائح كرة القدم عبر التاريخ، وتعود أحداثها إلى مايو 2006، حينما كشفت الشرطة عن تسجيلات تدين أندية يوفنتوس، وإي سي ميلان، وفيورنتينا، ولاتسيو، وريجينا، تتعلق بعلاقات غير بريئة بحكام كرة القدم الإيطالية، واتهامات بالتلاعب بنتائج المباريات، واختيار حكام مفضلين.
وبعد تحقيقات مطولة، تقرر هبوط يوفنتوس إلى دوري الدرجة الأولى الإيطالي، مع خصم تسع نقاط من رصيده الافتتاحي، كما عوقب نادي ريجينا بالهبوط إلى دوري الدرجة الأولى أيضًا، إضافة إلى خصم نقاط من أندية لاتسيو وفيورنتينا ونادي ميلان في الموسم التالي.
وكانت قارة آسيا على موعد مع واقعة مدوية في أبريل 2013؛ إذ اعتقلت السلطات السنغافورية طاقم تحكيم لبنانيًّا نتيجة شكوك بتلقيهم رشوة للتلاعب بنتيجة مباراة نادي روفرز السنغافوري مع إيست يانجال الهندي ضمن دور المجموعات في كأس الاتحاد الآسيوي. والمفاجأة أنّ الرشوة تمثّلت في خدمات مجانية من «فتيات ليل».
وتلقى الطاقم اللبناني الرشوة غير المعهودة للتلاعب بنتيجة المباراة وتبديل نتيجتها. ولكن السلطات السنغافورية أفسدت الأمر قبل وقوعه؛ ما استدعى الاتحاد الآسيوي إلى تغيير طاقم التحكيم اللبناني بآخر.
وفي القارة السمراء، نفَّذ الاتحاد الإفريقي «كاف» في سبتمبر الماضي حملة تطهير، عندما تم الإعلان عن إيقاف 22 حكمًا على خلفية قضايا فساد.
أحد هؤلاء الحكام هو الكيني ماروا رانجي الذي أوقعه سوء طالعه في وجه عدسات كاميرات التقطته وهو يتقاضى مبلغ 600 دولار «رشوةً» خلال بطولة إفريقيا للمحليين التي استضافها المغرب في شهر يناير من العام الماضي.
وضمن حملة التطهير هذه، لم تصل عقوبات كل الحكام إلى الإيقاف مدى الحياة؛ فالحكم الموريتاني ديمبا بوبو -وهو العربي الوحيد ضمن عاصفة التطهير- قد تقرّر وقفه خمس سنوات من كل أنشطة الاتحاد الإفريقي المتعلقة بكرة القدم.
وصدر كذلك قرار بإيقاف عشر سنوات بحق الحكم الجامبي جالو إبريما، وكذلك التوجولي يانيسو بيبو للفترة نفسها، وتمّ إيقاف كل من بوكاري أودراوجو من بوركينا فاسو والمالي موريبا دياكيتي مدةَ خمس سنوات، فيما أوقف الإيفواري دينيس ديمبلي ست سنوات، ومثلها للحكم مامان راجا من النيجر، فيما تم إيقاف الحكم المساعد الإيفواري ماريوس تان لمدة عامين، ومثله مواطناه: بي فاليري جوهو، وكوليبالي أبو، وجميعهم تورّطوا في قضايا فساد، حسبما أعلن «كاف».
ونالت هذه الحملة التطهيرية كثيرًا من الحكام في غانا؛ حيث أعلن الاتحاد المحلي للعبة، في سبتمبر الماضي، فرض عقوبة الإيقاف مدى الحياة ضد ستة حكام عقب تحقيقات بشأن فضائح تقاضي رشاوى. وفي هذا الشهر أيضًا صدّق على العقوبة التي فرضها الاتحاد الإفريقي بإيقاف حكمين غانيين مدى الحياة وإيقاف ستة آخرين لمدة عشرة أعوام.
لم يقتصر الأمر على ذلك؛ ففي يونيو الماضي كشفت هيئة الإذاعة البريطانية عن تورط كويسى نيانتاكاي رئيس الاتحاد الغاني ونائب رئيس الاتحاد الإفريقي (ثاني أقوى وأكبر مسؤول عن كرة القدم في القارة) في قضية فساد كبرى.
وذكرت الإذاعة البريطانية أنّ تحقيقًا صحفيًّا سريًّا أجراه شخصٌ يدعى «أناس»، استغرق عامين عن كرة القدم في إفريقيا، وتحديدًا في غانا، كشف عن فضيحة فساد مالي طالت أكثر من 100 من الحكام والمسؤولين الأفارقة، تلقوا رشاوى مالية للتلاعب في مباريات محلية ودولية، ووُثّقت بالفيديو.
وتمكَّن أحد الصحفيين في غانا -وفق التقرير نفسه- من تصوير أكثر من 100 مسؤول إفريقي في كرة القدم وهم يقبلون النقود من صحفيين متخفين من أجل التلاعب في مباريات محلية ومباريات دولية تخص فرقًا إفريقية أخرى، في انتهاك واضح لقواعد الرياضة.
وحسب الإذاعة البريطانية، أثبت التحقيق حصول رئيس الاتحاد الغاني على مبالغ مالية على سبيل الرشوة، وتم تصويره وهو يضع أموالًا في حقيبة بلاستيك.
وأشارت إلى أنّ من الحكام الذين تم تصويرهم، حامل راية من كينيا يدعى عدن رينج مروة، كان من المقرر أن يشارك في كأس العالم 2018 بروسيا، وصور أثناء تلقيه رشوة 600 دولار من صحفي تظاهر بأنه مسؤول في نادٍ من غانا.
وفي واقعة غانية أخرى، أعلن «فيفا» في مارس 2017، إيقاف الحكم جوزيف لامبتي نهائيًّا؛ لتورُّطه في فضيحة التلاعب بنتيجة مباراة في تصفيات كأس العالم لكرة القدم.
وكشفت تحقيقات الفيفا إدانة لامبتي بانتهاك اللوائح خلال مباراة بين جنوب إفريقيا والسنغال في 12 نوفمبر 2016. وخلال المواجهة التي جرت على ملعب بيتر موكابا في جنوب إفريقيا ضمن مباريات الجولة الثانية للمجموعة الرابعة، تمّ احتساب ركلة جزاء لأصحاب الأرض في الدقيقة 43 بداعي لمس الكرة يد المدافع خاليدو كوليبالي.
ورغم أنّ مساعد الحكم كان أقرب إل الكرة وأشار إلى أنّها ركلة ركنية وتوجه لاعبو جنوب إفريقيا بالفعل لتنفيذها دون اعتراض؛ أصر الحكم على احتساب ركلة جزاء.
وكان الحكم نفسه قد أثار جدلًا كبيرًا، عندما احتسب هدفًا غير صحيح من لمسة يد واضحة في إياب الدور نصف النهائي لدوري أبطال إفريقيا نسخة عام 2011 بين الأهلي المصري والترجي الرياضي التونسي لصالح الأخير.
ورغم احتجاج الأهلي على الهدف الذي سجله مايكل إينرامو للترجي، فإنّ الحكم أصرّ على احتسابه؛ ما أدّى إلى خروج الفريق القاهري من البطولة.
إفريقيًّا أيضًا، عوقب أربعة حكام من مالاوي بالإيقاف مدى الحياة بسبب تلقيهم رشوة، وكان الغريب في الأمر أنّ قيمتها لم تتخطَّ 20 دولارًا فقط وزّعت على الرباعي؛ من أجل التلاعب في نتيجة إحدى المباريات. والطريف أنّهم أعادوا ما تلقوه من أموال مرة أخرى؛ بسبب فشلهم في تحقيق النتيجة المطلوبة.
وكان المغرب حاضرًا في واقعة رشوة مدوية؛ وذلك في أغسطس 2013 خلال تصفيات كأس أمم إفريقيا للمحليين؛ إذ تبيّن أنّ حكمًا مساعدًا مغربيًّا شارك في إدارة مباراة في التصفيات بين منتخبي نيجيريا وكوت ديفوار، تلقّى مبلغ 4 آلاف دولار من أحد أعضاء المنتخب النيجيري قبل الاجتماع التقني؛ وذلك لتسهيل مهمة فوز النسور الخضراء، ومن ثم التأهل لنهائيات البطولة.
وذكرت مواقع أنباء مغربية آنذاك، أن حكم الساحة رفض تسلم المبلغ المذكور، وطالب الحكم «المدان» بإرجاعها فورًا دون شبهات، وبعد التحقيقات تقرر إيقافه مدى الحياة، وتبرئة بقية زملائه من تهمة الرشوة.
أوروبيًّا، ارتبط اسم نادي ريال مدريد بأكثر من واقعة رشوة؛ ففي 22 أكتوبر 2015، اعترف الحكم الإسباني خاسينتو بيسينتي بأنه تلقى رشوة من لجنة الحكام في اتحاد اللعبة، من أجل إدارة مباراة الكلاسيكو أمام برشلونة لصالح الفريق الملكي.
لكنّ بيسينتي رفض القيام بذلك، وتقدّم ببلاغ إلى نيابة مكافحة الفساد في برشلونة، أكّد فيه أنّه وحكم الراية تلقيا اتصالًا من المتحدث باسم لجنة الحكام خوسيه أنخيل خيمينيز دي موراليس، طالبه فيه بإصدار قرارات لصالح ريال مدريد وضد برشلونة. وبعد ذلك، استبعدت لجنة الحكام بيسينتي ومساعديه من قيادة المباراة.
وفي 20 ديسمبر الماضي، أثارت نتيجة مباراة فياريال وريال مدريد الكثير من الانتقادات بشأن الأخطاء التي ارتكبها الطاقم التحكيمي للمباراة. وذكرت صحيفة «موندو ديبورتيفو» الكتالونية أنّ فيرناندو رويج رئيس نادي فياريال، وجّه اتهامات مباشرة إلى جيل مانزانو حكم المباراة، بأنه تلقّى رشوةً من مسؤولي الريال، وهو ما جعله ينحاز إلى صف الأخير في بعض القرارات الحاسمة التي أثرت في سير ونتيجة المباراة التي انتهت بفوز الريال (3-2).
وقال رويج إن مانزانو شوهد بعد المباراة في منطقة صف السيارات، يغادر هو وطاقمه وفي أيديهم أكياس بلاستيكية متماثلة، في إشارة إلى تلقيه أموالًا على سبيل الرشوة.
قبل ذلك بعام، وتحديدًا في أبريل 2017، اتهمت وسائل إعلام دولية، وخاصة في ألمانيا، حكام مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في دوري أبطال أوروبا، بتقاضي رشوة من مسؤولي الميرينجي لمحاباة الفريق الملكي في المباراة.
وانتشرت صورٌ على عدة مواقع عالمية، تُظهر طاقم التحكيم وهو يخرج من المطعم الذي كان فيه الفريق الملكي في ساعات مبكرة من فجر يوم المباراة، ليثار جدل جديد حول الحكام الذين شاب الجدل أداءهم في عدة لقطات.
في هذه المباراة، احتسب المجري فيكتور كاساي هدفين للريال من تسللين، وهدفًا لبايرن من تسلل أيضًا، فضلًا عن ضربة جزاء جدلية احتسبها لصالح الفريق البافاري، وترجمها روبرت ليفاندوفسكي إلى هدف.
وفي أبريل الماضي، اتهم الإيطالي جورجيو كيلليني مدافع يوفنتوس، نادي ريال مدريد برشوة الحكام؛ وذلك بعد احتساب ضربة جزاء لصالح الملكي في نهاية مباراته مع يوفنتوس بإياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.
وأشار جورجيو كيلليني للاعبي ريال مدريد واتهمهم بدفع رشاوى للحكام، قائلًا: «كم تدفعون لهم؟!»، فيما حاول زملاء لاعب اليوفي إبعاده، لكن بعد نهاية اللقاء أكد تصريحاته مرة أخرى.
وشهدت تلك المباراة إثارة بالغة في نهايتها؛ حيث تقدم يوفنتوس بثلاثة أهداف، وهي مباراة الذهاب نفسها، غير أنّ الحكم مايكل أوليفير احتسب ركلة جزاء لصالح لوكاس فاسكيز أثارت جدلًا واسعًا، خاصةً أن الهدف الذي سجله زميله كريستيانو رونالدو بتنفيذها فتح الطريق للفريق الأبيض إلى الفوز بدوري الأبطال.