أشاد الباحث المتخصص في القضايا الاجتماعية والأسرية خالد الدوس، بقرار وزارة العدل، القاضي بحظر زواج القاصرين والقاصرات، لمن هم دون 18 عامًا، مؤكدًا أن هذا القرار ستكون له انعكاسات شرعية واجتماعية وصحية إيجابية.
وفي تعليقه لـ«عاجل»، قال الدوس: إن قرار وزارة العدل يقضي بمنع مأذوني الأنكحة من إبرام عقود الزواج لمن تقل أعمارهم عن 18 عامًا، سواء كان ذكرًا أو أنثى، وأن تكون عقود الزواج من قبل المحكمة المختصة، لافتًا إلى أن هذا القرار ستكون له انعكاسات شرعية واجتماعية وصحية إيجابية تتوافق مع نظام حماية الأطفال، وحماية البناء الأسري، وضبط توازن ظاهرة الطلاق.
وأضاف الدوس: من المعروف أن لفظة قاصر، تعني كل طفل أو طفلة لم يتجاوز الثامنة عشرة، بموجب المادة الثانية من نظام اتفاقية حقوق الطفل، التي تم اعتمادها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم( 44/ 25 )، المؤرخ في 2 نوفمبر 1989هـ، مشيرًا إلى أن زواج القاصرات، يعني في مفهوم علم الاجتماع الأسري: «العلاقة الزوجية غير المتكافئة، التي تنشأ في سن مبكرة، وتفتقد للاستقرار النفسي والروحي والعاطفي والأسري»، ولا يعتبر زواج القصر في مجتمعنا، ظاهرة بل قضية اجتماعية موروثة تزداد معدلاتها في القرى النائية والهجر والبادية.
وتابع الدوس: إن مجتمعنا السعودي وتركيبته السيسيولوجية الثقافية، من المجتمعات الإنسانية التي تشهد وجود مثل هذا النوع من الزواج، خاصة داخل نسق التركيبة القروية وموروثها الاجتماعي، التي تدعم هذا النمط من الزواج اللا توافقي.. وتراه مقبولًا في العرف الثقافي القبلي.. وهناك خلط ثقافي بين «الزواج المبكر» و«زواج القاصرات» في المفهوم العربي والإسلامي، مع أن هناك فرقًا بين المفهومين.
وأوضح الدوس، أن الدين الإسلامي الحنيف ينظر للمرأة على أنها إنسان له كينونته وكرامته، ومن ثم فإن الزواج المبكر مبارك فيه، وليس واجبًا، بل مستحبًا حسب الشرع الإسلامي، الذي لم يحدد سنًا معينة للزواج، سواء للشاب أو الفتاة، بل تركه للعرف الاجتماعي والأدبي، بينما زواج القاصرات بالمعنى الحقيقي من الناحية الطبية والعلمية، هو زواج قبل بلوغ الطفلة المتزوجة فسيولوجيًا وسيكولوجيًا ووجدانيًا وفكريًا.
وأضاف الدوس، أن زواج القاصرات يُعد سلبًا لحقوق الطفلة، وقد ينبري البعض ويقول إن النبي محمد صلى الله وعليه وسلم، تزوج السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي بنت تسع سنوات، وهنا نقول: نعم تزّوجها ولكن لم يدخل عليها إلا بعد بلوغها، وبعد أن دخلت مدخل النساء، ونضج رشدها وفكرها ووعيها المتزن، فضلًا عن الخصائص التي اختص بها (سيد البشرية) عليه الصلاة والسلام؛ دون غيره من الأنبياء.
وتابع: لاشك أن هناك عوامل وأسبابًا تؤدي بالطبع إلى زواج القاصرات، كالجهل والأمية التي تنتشر بين بعض أولياء الأمور، الذين يعيشون بالذات في القرى النائية والبادية، فيقومون بتزويج فتياتهم القّصر في سن مبكرة غير مدركين أن الزوجة في هذه السن لا تستطيع الحمل وتكوين أسرة ولا تتحمل تربية الأبناء ورعايتهم، كما تدخل في عملية زواج القاصرات عوامل اقتصادية، كالفقر المدقع والعوز والرغبة في التخلص من الأعباء المالية للبنات في سن مبكرة.
وأيضًا من الأسباب الأخرى لزواج القاصرات- حسب الدوس- تساهل بعض مأذوني الأنكحة، وإصرارهم على إتمام مثل هذه الزيجات؛ بحثًا عن المال في كل الأحوال، دون مراعاة للآثار النفسية والصحية والجسدية والاجتماعية لقاصرات السن، كما تشكل العوامل الاجتماعية سببًا رئيسيًا في انتشار مثل هذا النوع من الزواج في نسيجنا المجتمعي، كوفاة أحد الوالدين أو كليهما، أو طلاق الأم وانفصالها، إلى جانب رفض بعض الزوجات تحمل مسؤولية وتربية بنات ضراتهن، والتخلص منهن بأي وسيلة حتى وإن خالفت القيم الاجتماعية والأعراف الإنسانية.
ووفق الدوس: يضاف إلى أسباب انتشار زواج القاصرات أيضًا، الموروثات الاجتماعية في التركيبة الثقافية القبلية والقروية، التي تدعم مثل هذا المظهر من الزواج، كما تدخل العوامل الثقافية في سياق التعزيز، فثمة توجّهات ثقافية تقليدية مؤيدة لزواج القاصرات؛ حيث يرى البعض في معظم المجتمعات العربية، أن الإسلام يحث على مثل هذا الزواج، وهنا يبدأ الخلط بين مفهوم الزواج المبكر وبين زواج القاصرات، الذي ساهم في خضم هذه الرؤية الضبابية في انتشار ما يسمى بزواج القاصرات في معظم المجتمعات العربية والإسلامية، وليس فقط مجتمعنا السعودي.
ولفت الدوس، إلى أن معضلة زواج القاصرات تكمن في آثاره السلبية؛ حيث يتمخض عنه بعض الأمراض النفسية، مثل الفصام والاكتئاب والقلق والاضطرابات الشخصية والمخاوف المرضية للطفلة القاصرة، أما عن الجانب الاجتماعي فإن مثل هذا الزواج غير المتكافئ يؤدي إلى كثرة المنازعات والعنف المنزلي والتهميش الاجتماعي وحدوث الطلاق، وبالتالي تشتت الأبناء أو انحرافهم بعد إهمال تربيتهم، وتنشئتهم التنشئة السليمة نظرًا لعدم توافق وتكافؤ هذا الزواج بالأصل، عاطفيًا ونفسيًا وفكريًا.